أَعْلَمُ الْغَيْبَ)، وصلة قوله:(مَا تَسْتَعْجِلُونَ بِهِ) كانوا يطلبون منه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - ويسألونه أشياء من التوسيع في الرزق، وغير ذلك مما كان يعدهم من الكرامة والمنزلة والسعة، وكان يوعدهم بالعذاب ويخوفهم بالهلاك، فيستعجلون ذلك منه ويطلبون منه ما أوعدهم فقال:(وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ)، ليس ذلك عندي، لا يعلم ذلك إلا هو.
ومفاتح: من المفتح، ليس من المفتاح؛ لأن المفتاح، يكون جمعه مفاتيح، والمفتح: يقال في النصر والمعونة؛ يقال: فتح اللَّه عليه بلدة كذا، أي: نصره وجعله غالبًا عليهم، ويقال فيما يحدثه ويستفيد منه: فتح فلان على فلان باب كذا، أي: علمه علم ذلك.
أي: من عنده يستفاد ذلك ومنه يكون، ومن نصر آخر إنما ينصر به، ومن علم آخر علما إنما يعلمه به، ومن وسع على آخر رزقًا إنما يوسعه باللَّه، كل هذا يشبه أن يخرج تأويل الآية.
هذا يحتمل وجوهًا؛ يحتمل أي يعلم ما في البر والبحر من الدواب، وما يسكن فيها من ذي الروح، كثرتها وعددها وصغيرها وكبيرها، لا يخفى عليه شيء.
والثاني:(وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ)، أي: يعلم رزق كل ما في البر والبحر من الدواب ويعلم حاجته، ثم يسوق إلى كل من ذلك رزقه.
يذكر هذا - واللَّه أعلم - ليعلموا أنه لما ضمن للخلق لكل منهم رزقه، يسوق إليه رزقه من غير تكلف ولا طلب؛ كما يسوق أرزاق كل ما في البر والبحر من غير طلب ولا تكلف، لا تضيق قلوبهم لذلك، فما بالكم تضيق قلوبكم على ذلك، وقد ضمن ذلك لكم كما ضمن لأُولَئِكَ؟!
والثالث: يعلم ما في البر والبحر من اختلاط الأقطار بعضها ببعض، ومن دخول بعض