قد ذكرنا أن قوله:(كُن) هو أوجز كلام في لسان العرب يعبر به فيفهم منه، لا أَنْ كَانَ مِنَ اللهِ كاف أو نون، لكنه ذكر - واللَّه أعلم - ليعلموا أن ليس على اللَّه في الإحياء والإنشاء بعد الموت مؤنة؛ كما لم يكن على الخلق في التكلم بـ " كن " مؤنة، ولا يصعب عليهم ذلك؛ فعلى ذلك ليس على اللَّه في البعث بعد الموت مؤنة ولا صعوبة.
والثاني: ذكر هذا لسرعة نفاذ البعث؛ كقوله:(مَا خَلْقُكُمْ وَلَا بَعْثُكُمْ إِلَّا كَنَفْسٍ وَاحِدَةٍ)، أخبر أن خلقهم وبعثهم ليس إلا كخلق نفس واحدة، وبعث نفس واحدة؛ وكقوله:(وَمَا أَمْرُ السَّاعَةِ إِلَّا كَلَمْحِ الْبَصَرِ أَوْ هُوَ أَقْرَبُ)، يخبر لسرعة نفاذ الساعة وبعثهم، وذلك أن الرجل قد يلمح البصر وهو لا يشعر به؛ فعلى ذلك القيامة قد تقوم وهم لا يشعرون.
والثالث: يذكر هذا - واللَّه أعلم - أن البعث بعد الموت والإحياء إعادة، وإعادة الشيء عندكم أهون من ابتداء إنشائه؛ وعلى ذلك يخرج قوله:(وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ) أي: هو أهون عليه عندكم.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -.: (قَوْلُهُ الْحَقُّ).
يحتمل:(قَوْلُهُ الْحَقُّ)، أي: البعث بعد الموت حق على ما أخبر.
ويحتمل:(قَوْلُهُ الْحَقُّ)، أي: ذلك القول منه حق يكون كما ذكر.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَلَهُ الْمُلْكُ) أي: ملك ذلك اليوم؛ كقوله:(لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ)؛ وكقوله:(الْمُلْكُ يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ)، ذكر هذا - واللَّه أعلم - لما لا ينازعه أحد في ملك ذلك اليوم، وقد نازعه الجبابرة في الملك في الدنيا، وإن لم يكن لهم ملك ولا ألوهية.
ويحتمل قوله:(وَلَهُ الْمُلْكُ)، أي: ملك جميع الملوك له في الحقيقة؛ كقوله:(مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ).