للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فمنهم من جعل الأمر على ما عليه الظاهر: أنه غير عارف بربه حق المعرفة إلى أن عرف من الوجه الذي بأن له عند الفراغ من آخر ما نسب إليه الربوبية أنه لا يعرف من جهة درك الحواس ووقوعها عليه، ولكن من جهة الآيات وآثار العقل، فقال: (وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ. . .) الآية، لكن أهل هذا القول اختلفوا على وجوه ثلاثة:

أحدها: ما روي في التفسير أنه ربّي في السرب، ولم يكن نظر إلى شيء من خلق السماء، فنظر عن باب السرب في أوّل الليل، فرأى الزهرة بضوئها وتلاللَّهِا، وكان في علمه أن له ربا وأنه يرى، فلم ير أضوأ منها ولا أنور، فقال: هذا ربي، فلما أفل وله علم أن الرب دائم لا يزول، فقال: لا أحبُّ، بمعنى: ليس هذا برب؛ كقوله: (مَا كَانَ يَنْبَغِي لَنَا أَنْ نَتَّخِذَ مِنْ دُونِكَ مِنْ أَوْلِيَاءَ)، أي: ليس لنا، وقول عيسى حيث قال: (سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ)، بمعنى: ما قلت ذلك، لكن أهل هذا التفسير حملوا الأفول على غيبوبته بنفسه، وهو عندنا على غيبوبته في سلطان القمر وقهر سلطان القمر، لما طلع سلطان النجم، وعنده أن الرب لا يقهر وأن سلطانه لا يزول؛ وعلى ذلك أمر القمر والشمس بظلمة الليل، وفي ذلك أنه لو كان عنده أن الرب لا يقهر وأن سلطانه لا يزول وأنه لا يرى، لأنكر من ذلك الوجه أن يكون ربه بل أقر به، وأنكر الأفول والزوال، وهذا ينقض قول من يصفه بالزوال والانتقال من حال إلى حال.

ومنهم من يقول: كان هذا أمنه في وقت، لم يكن جرى عليه القلم سمع الخلق يقولون في خلق السماء والأرض ونحو ذلك، وينسبون ذلك إلى اللَّه؛ وعلى ذلك أمر جميع أهل الشرك؛ كقوله: (وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ) وقوله: (قُل لِّمَنِ الْأَرْضُ. . .)، إلى قوله: (مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِنْ وَلَدٍ)

<<  <  ج: ص:  >  >>