للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

حقيقة ذلك من المراد والوقت حاجة في أمر الدِّين - لكان يبين ذلك، أو يرد في ذلك عن رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - لكن العلم بحقيقة ذلك إذ هو علم الشهادة بما ليس لنا، وعلينا بالوصول عمل تكلف، ولا تكلف الشهادة بوقت القول، وهو متمكن فيه فحقه أن يتأمل وجه الحكمة في ذكر القصة وما فيها من الحجة في أمر الدِّين، فهو - واللَّه أعلم - يخرج على وجوه:

أحدها: على جعل ذلك حجة لرسالة رسوله؛ إذ هو من أنباء الغيب، ونبي اللَّه نشأ بمكة ولم يكن ثم من يعلمه ذلك، ولا فارق قومه واختلف إلى من عنده علم الأنبياء بتوارثهم كتب الأنبياء، ولا كان رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - ممن يخط بيمينه أو يقف على المكتوب؛ دل أنه علمه باللَّه سبحانه وتعالى، مع ما كان في القصة حجج التوحيد ودفع عبادة الأصنام وتسفيه أهل ذلك، فلم يحتمل أن يكون تعليم مثل ذلك من الدافعين لذلك المدعين على إبراهيم اليهودية والنصرانية؛ وبعد فإن كتبهم بغير لسانه، وفي العبارة بلسان غيره توهم الاختلاف والتغيير، فلا يحتمل الاحتجاج بمثله بما يحتمل الإنكار والدفع.

الثاني: وفيه استعطاف قوم رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ -؛ إذ هم من ذرية إبراهيم - عليه السلام - بما يدعوهم إلى دين آبائهم، مع ما كانوا هم أصحاب تقليد وحفظ آثار الآباء، فألزمهم القول في آبائهم بما لا مدفع لهم القول بغير الذي قلدوا؛ إذ إبراهيم - عليه السلام - عند جميع المشركين إمام يؤتم به أحق من كل أب، مع ما كان كل مولود على دينه مذكورًا محفوظًا في الخلق، ومن خالفهم فهو ممحوق الاسم والذكر جميعًا، فكان في ذلك أعظم الدليل أن هَؤُلَاءِ من الأنبياء أحق بالتقليد من الذين اتبعوه؛ وعلى ذلك اتفاق أهل الكتاب على موالاة إبراهيم من غير أن تهيأ لهم دفع ما أثبت رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - من توحيده، ولا ما قرره عندهم من دينه بشيء يجدونه خلافًا لذلك في كتبهم.

والثالث: أن إبراهيم - عليه السلام - صرف معرفة الرب من جهة خلقه، ودان بدينه من جهة النظر في الآيات والبحث عنها، دون أن يقلد أباه أو قومه؛ ليعرف سبيل طلب

<<  <  ج: ص:  >  >>