قوله:(بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ) أي: أنشأهما بلا احتذاء ولا امتثال بغير، وقوله هذا يرد على القرامطة قولهم؛ لأنهم يقولون: خالق، ولا يقولون مبدع، ويقولون: المبدع الثاني هو أول مخلوق خلق منه جميع العالم، فلو كان أول خلق خلق مبدعًا فهو مبدع، والإبداع: هو إحداث شيء لم يسبق له أصل ولا مثال؛ ولهذا يقال لمن أحدث في دينه شيئًا: مبتدع؛ لأنه أحدث فيه شيئًا لم يسبق له أصل ولا مثال.
أي: من قدر على إبداع السماوات والأرض، لا عن أصل سبق ولا عن مثال تقدم؛ فأنى يقع له الحاجة إلى الولد؟! والولد في الشاهد إنما يتخذ؛ لإحدى خصال ثلاث: إما للانتصار على الأعداء والانتقام منهم، وإمّا لوحشة تأخذهم، وإما لحاجة تمسهم؛ فاللَّه - سبحانه وتعالى - يتعالى عن ذلك كله فأنى يتخذ ولدًا؟!
والثاني:(أَنَّى يَكُونُ لَهُ وَلَدٌ وَلَمْ تَكُنْ لَهُ صَاحِبَةٌ)، أي: تعرفون أن الولد لا يكون في الشاهد إلا عن صاحبة وليست له صاحبة، فأنى يكون له ولد؛ كأن الخطاب كان في قوم ينفون عنه الصاحبة، وإنما الحاجة إلى الصاحبة؛ للشهوات التي مكنت فيهم؛ فالشهوة هي التي تقهر المرء وتحمله على الحاجة.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ).
فيه نقض قول المعتزلة؛ لأنه أخبر أنه خلق كل شيء، وعلى قولهم: لم يخلق جزءًا من ألف جزء من الأشياء؛ لأنهم يقولون: إن اللَّه لم يخلق أفعال العباد، ولا حركاتهم، ولا سكناتهم، ولا قيامهم، ولا قعودهم، ولا شيئًا من ذلك، ثم لا يجوز أن تصرف الآية إلى الخصوص، وهو يخرج مخرج الامتداح، ولو جاز أن يصرف هذا على شيء دون شيء لجاز لغيرهم أن يصرفوا قوله:(وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ) إلى شيء دون شيء وكذلك قوله: (خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ) وعلى قول المعتزلة هو خالق بعض الأشياء ليس هو بخالق الأشياء كلها؛ على ما أخبر فلئن جاز صرفه إلى بعض الأشياء دون بعض؛ لجاز - أيضًا - صرف قوله (وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ).