الاختلاف فيه؛ لاختلاف قول كان من الكفرة لرسول اللَّه؛ منهم من يقول:(إِنَّمَا يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ)، فهو تأويل دارست، ومنهم من يقول:(إِنْ هَذَا إِلَّا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ)، فهو تأويل قوله: درست، ومنهم من يقول:(مَا هَذَا إِلَّا إِفْكٌ مُفْتَرًى)، وهو تأويل درست؛ فعلى اختلاف أقاويلهم خرجت القراءة.
ثم اختلف في تأويل قوله - تعالى -: (وَلِيَقُولُوا دَرَسْتَ) قَالَ بَعْضُهُمْ: لئلا يقولوا درست، فهو صلة قوله:(قَدْ جَاءَكُمْ بَصَائِرُ مِنْ رَبِّكُمْ) لئلا يقولوا: درست.
وقال الحسن قوله:(وَلِيَقُولُوا دَرَسْتَ)، أي:(قَدْ جَاءَكُمْ بَصَائِرُ مِنْ رَبِّكُمْ)؛ لِيَقُولُوا دَرَسْتَ؛ لأن من قوله: إنه بعث الرسل، وأنزل الكتب؛ ليكون من الكافر قول كفر، ومن المؤمن قول إيمان.
يخرج - واللَّه أعلم - على معنى التعجب: يعجب أصحاب النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - عن قبح صنيع الكفرة وسوء معاملتهم رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - وقد جاءهم بصائر من ربهم وبينات وحجج، ثم هم بعد هذا كله يستقبلونه بالرد والتكذيب.
وهو على ما قلنا: إن اللَّه ذكر نعمه عليهم بما أنشأ لهم: من الأنعام، والجنات المعووشات، والزرع، والنخيل، وما أخبر عنه، وقد علموا ذلك كله، ثم جعلوا له بعد معرفتهم هذا (شُرَكَاءَ الْجِنَّ وَخَلَقَهُمْ وَخَرَقُوا لَهُ بَنِينَ وَبَنَاتٍ بِغَيْرِ عِلْمٍ)، ولا بينة؛ فهو على التعجب أنهم كيف جعلوا له شركاء، وقد علموا أن الذي جعل هذا كله لهم هو اللَّه؟! فعلى ذلك هذه الآية أنهم كيف قذفوه بالدراسة، وقد تبين لهم صدقه، وأنه من عند اللَّه بالآيات والدلائل، وبما كان لا يخط كتايا، ولا شهدوه يختلف إلى من عنده علم ذلك.