والمواقف الدالة على ذلك كثيرة، منها ما أخرج أبو عبيدة من طريق مجاهد عن ابن عباس قال:" كنت لا أدري ما فاطر السماوات؟ حتى أتاني أعرابيان يتخاصمان في بئر، فقال أحدهما: أنا فطرتها، يقول: أنا ابتدأتها ".
وروى عكرمة عن ابن عَبَّاسٍ قال:" ما كنت أدري ما قوله تعالى: (رَبَّنَا افْتَحْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا بِالْحَقِّ)، حتى سمعت ابنة ذي يزن الحميري وهي تقول: أفاتحك، تعني أقاضيك ".
وأظهر ما يدل على تفاوت فهم الصحابة للنصوص ما روي أن الصحابة فرحوا عند نزول قوله تعالى:(الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا)؛ حيث ظنوا أنها إخبار وبشرى بكمال الدِّين، ولكن عمر بكى وقال: ما بعد الكمال إلا النقص؛ مستشعرًا نعي النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ -.
وروى البخاري عن ابن عَبَّاسٍ قال:" كان عمر يدخلني مع أشياخ بدر، فكأن بعضهم وجد في نفسه، وقال: لم يدخل هذا معنا وإن لنا أبناء مثله؟ فقال عمر: إنه من أعلمكم، فدعاهم ذات يوم فأدخلني معهم، فما رأيت أنه دعاني فيهم إلا ليريهم، فقال: ما تقولون في قوله تعالى: (إِذَا جَاءَ نَصرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ)؛ فقَالَ بَعْضُهُمْ: أمرنا أن نحمد اللَّه ونستغفره إذا نصرنا وفتح علينا، وسكت بعضهم ولم يقل شيئًا، فقال لي: أكذلك تقول يا ابن عَبَّاسٍ؟ فقلت: لا، فقال: وما تقول؟ قلت: هو أجل رسول اللَّه أعلمه اللَّه له، قال:(إِذَا جَاءَ نَصرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ)، فذلك علامة أجلك، (فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا)، فقال عمر: لا أعلم منها إلا ما تقول ".