وفي الآية دلالة إثبات رسالة مُحَمَّد ونبوته - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ -؛ لأنهم كانوا لا يحرمون هذه الأشياء ظاهرا فيما بينهم، ورسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - نشأ بين أظهرهم منذ كان صغيرًا إلى كبره، وعرفوا أنه لم يختلف إلى أحد عرف ذلك، ثم أخبر اللَّه - عَزَّ وَجَلَّ -، عن حل ما حرموا وفساد ما صنعوا؛ ليدلهم أنه إنما عرف ذلك باللَّه، وبه علم حل ما حرموا، وحرمة ما أحلوا، لا بأحد من الخلائق.
أي: لا أحد أظلم ممن افترى على اللَّه كذبا؛ لأنه هو الذي أنشأهم وأنشأ لهم جميع ما يحتاجون إليه ويقضون حوائجهم، وبه كان جميع نعمهم التي يتنعمون ويتقلبون فيها؛ فلا أحد أظلم ممن افترى على اللَّه كذبا، فقال: حرم كذا ولم يكن حرم، أو: أمر بكذا ولم يكن أمر.
ألا ترى: أنه قال - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ حَدِيثًا)، و (قِيلًا)، فكما لم يكن أحد أصدق منه حديثًا، فعلى ذلك لا أحد أظلم ممن افترى على اللَّه كذبا بعد علمه: أنه هو الفاعل لذلك كله، وهو المنشيء ما ذكر.
وقوله:(فَمَنْ أَظْلَمُ). في الظاهر استفهام، ولكن في الحقيقة إيجاب؛ لأنه لا يحتمل الاستفهام؛ كأنه قال: لا أحد أفحش ظلمًا ممن افترى على اللَّه كذبا على الإيجاب.