أخبر أن الإيمان لا ينفع في ذلك الوقت؛ لأنه ليس بإيمان اختيار في الحقيقة؛ إنما هو إيمان دفع العذاب والبأس عن أنفسهم؛ كقوله:(فَلَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا قَالُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَحْدَهُ)، وقوله:(وَلَوْ رُدُّوا لَعَادُوا لِمَا نُهُوا عَنْهُ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ)، أخبر أنهم لو ردوا إلى الدنيا، لعادوا إلى تكذيبهم الرسل وكفرهم باللَّه؛ فدل أن إيمانهم في ذلك الوقت إيمان دفع العذاب والبأس وإيمان خوف، وهو كإيمان فرعون؛ حيث قال:(حَتَّى إِذَا أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ قَالَ آمَنْتُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ)، لم ينفعه إيمانه في ذلك الوقت؛ لأنه إيمان دفع الهلاك عن نفسه، لا إيمان حقيقة باختيار.
والثاني: أنه في ذلك الوقت - وقت نزول العذاب - لا يقدر أن يستدل بالشاهد على الغائب؛ ليكون قوله قولا عن معرفة وعلم، وإنما هو قول يقوله بلسانه لا عن معرفة في قلبه فلم ينفعه إيمانه في ذلك الوقت؛ لما ذكرنا، وهو كقوله:(وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الْآنَ)؛ لأنه إيمان دفع الباس والعذاب، أو يبالغ بالاجتهاد؛ حتى يكون إيمانه إيمانًا باجتهاد؛ لذلك كان ما ذكرنا.
أو أن يكون في طلوع الشمس من مغربها، وخروج الدجال، ودابة الأرض، وما ذكر من البلاء والشدة والعذاب ما يضطرهم إلى الإيمان به؛ فيكون إيمانهم إيمان اضطرار لا اختيار.
ويشبه أن تكون الأخبار، التي رويت عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - أنه لا تقبل التوبة بعد طلوع الشمس من مغربها، وبعد خروج الدجال ودابة الأرض، أي: لا يثابون على طاعتهم، وإلا فمن البعيد أن يدعوا إلى الإيمان والطاعات، ثم إذا أتوا بها لم تقبل منهم، لكنه يحتمل ما ذكرنا بألا: لا يثابوا على ذلك، ويعاقبوا ما كان منهم من الكفر وكفران