للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الوجه، واللَّه الموفق.

ثم قوله: (خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ) هو على وجهين:

أحدهما: إضمار ما بينهما على ما جرى الذكر به في غيره.

والثاني: أن ذكر من وقت ابتداء الكون إلى الانتهاء لا على تحقيق ذلك في كل وقت كما يقال: كان كذا في شهر كذا، لا على إحاطة كلية أجزاء الشهر به؛ فمثله معنى (سِتَّةِ أَيَّامٍ) ومعنى التوقيت ليس على حاجة إلى ذلك؛ إذ الوقت داخل فيما خلق، لكن على وجوه، وإن كان اللَّه سبحانه وتعالى قادرًا على إنشاء جميع ما ذكر بدفعة واحدة:

أحدها: ما ذكرت من معنى أن الأيام لمدار مدد الخلق وأطول ما عليه تفنى الأعمار.

والثاني: على بيان منتهى العالم.

والثالث: على إدخال كل ذلك مع علو درجات كثير منها وجلالة أقدارها في الأعين، حتى لا أحد ينظر إليها إلا بعين التعظيم، وحتى بكثير منها قام تدبير العالم وحتى عبد دون اللَّه تعظيمًا، وإن كان في ذلك دلالة خروجه عن الاستحقاق، فصيرها اللَّه داخلة تحت الأزمنة والمدد مقهورة بها، حتى لو أريد بكل جهد وحيل إخراج شيء من ذلك أو تخليص الجبابرة من ذلك، لما تهيأ لهم ليعلم ذلة الخلق وأمارات الحدث، وعلامة الحاجة، ثم كانت الأوقات مترادفة متتابعة، لو أسقطت عنها الأولية لبطل الكل، ولما جاوز الحساب بالواحد، ولما انتهى إلى ما هو بعد لما مضى ليعلم به أولية كل شيء من العالم، وحدثه مع ما جعلت الأيام تدور على أمر واحد بها بجميع المحتاجين ممن ذكرت، فثبت لذلك بأسماء معروفة أمكن قصد كل منها على الإشارة إليه باسمه المعروف يحفظ فيه المواعيد، ويعلم به ما يجب من الحقوق، ويبطل، واللَّه أعلم.

ثم الأصل إذ جعلت هذه الدار دار المحنة، والمحنة إنما كونها تختلف الأحوال جعلت الأحوال مختلفة، نحو: موت وحياة، وصحة وسقم، وغنى وفقر، وجمع الخلق

<<  <  ج: ص:  >  >>