الليل والنهار، ولكن اللَّه سبحانه أظهر لهم من قدرته، وعظيم حكمته بما بسط لهم الأرض، بغلظها وسعتها، ورفع عليها السماء بغير عمد ترى، فأقر كلًا من ذلك لحاجة أهلها إلى إقرارها، وسيَّر فيها بالتسخير ما ذكر؛ لحاجة الأهل في تسيير ذلك؛ ليعلم ألا يعجزه شيء ولا يخفى عليه أمر، ولا يدخل في تدبيره عوج، ولا في خلقه تفاوت، وأن الذي أظهر إذا قوبل بالذي وعد يضاعف عليه بوجوه له مع ما كان الذي أظهر هو إبداع على غير احتذاء، وإنشاء الإعادة. واللَّه الموفق.
ثم من عجيب قدرته سبحانه في قوله:(يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثًا) أن اللَّه تعالى يظهر النور في ابتداء النهار من طرف من أطراف السماء، والظلمة في أول الليل، ثم ينشر ذلك ويبسطه في جميع أطراف السماء والأرض، وما بينهما من جميع الأقطار والجوانب، في قدر لحظة بصر، وطرفة العين، ما لو أريد تقدير ذلك بالهندسة، وبجميع ما في الخلق من المقادير لما أحيط بالذي انبسط ذلك النور والظلام؛ ليعلم أن اللَّه على ما يشاء قدير، وأنه لو أراد لخلق جميع ما ذكر في أدق مدة وألطف وقت، وأنه القادر على البعث، وجميع ما جاءت به الرسل، على أنه بالذي ذكرت يلبس وجوه كلية الأشياء السنن، ويجليها بطرف عين بالتدبير، والعلم الذي له يوجب ذلك مما يعجز عن توهم مثله جميع الحكماء، فضلًا عن إدراكه؛ ليعلم أنه عليم لا يجهل، عزيز لا يعجزه شيء، حكيم لا يتفاوت صنعه، ولا يتناقض تدبيره، ولا قوة إلا باللَّه.
وقريبًا من ذلك ما جعل في جوهر الإنسان من البصر الذي يبصر بأول أحوال الفتح