وعمومًا، فإن التفسير في عهد التابعين تطور عما كان عليه في عصر الصحابة، مما أسهم في بلورته في المرحلة التالية.
المرحلة الرابعة: التفسير في عصور التدوين:
وهذه المرحلة تبدأ مع ظهور تدوين العلوم في أواخر عصر بني أمية وبداية عصر العباسيين، وفي هذه المرحلة خطا التفسيير خطوات أخرى، نستطيع بلورتها فيما يلي:
الخطوة الأولى: أنه مع ابتداء التدوين لحديث رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - كانت أبوابه متنوعة، وكان التفسير بابًا من هذه الأبواب التي اشتمل عليها الحديث، فلم يفرد له تأليف خاص يفسر القرآن سورة سورة، وآية آية، من مبدئه إلى منتهاه، بل وجد من العلماء من طوف في الأمصار المختلفة ليجمع الحديث، فجمع بجوار دلك ما روي في الأمصار من تفسير منسوب إلى النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - أو إلى أصحابه أو التابعين، ومن هَؤُلَاءِ: يزيد بن هارون السلمي المتوفى سنة ١١٧ هجرية، وشعبة بن الحجاج المتوفى سنة ١٦٠ هجرية، ووكيع بن الجراح المتوفى سنة ١٩٧ هجرية، وسفيان بن عيينة المتوفى سنة ١٩٨ هجرية، وروح بن عبادة البصري المتوفى سنة ٢٥٥ هجرية، وعبد الرزاق بن همام المتوفى سنة ٢١١ هجرية، وآدم بن إياس المتوفى سنة ٢٢٥ هجرية، وعبد بن حميد المتوفى سنة ٢٤٩ هجرية، وغيرهم. . . وهَؤُلَاءِ جميعًا كانوا من أئمة الحديث، فكان جمعهم للتفسير جمعًا لباب من أبواب الحديث، ولم يكن جمعًا للتفسير على استقلال وانفراد، وجميع ما نقله هَؤُلَاءِ الأعلام عن أسلافهم من أئمة التفسير نقلوه مُسْنَدًا إليهم، غير أن هذه التفاسير لم يصل إلينا شيء منها؛ ولذا لا نستطيع أن نحكم عليها.
الخطوة الثانية: انفصل بها التفسير عن الحديث، فأصبح علمًا قائمًا بنفسه، ووضع التفسير لكل آية من القرآن، ورتب ذلك على حسب ترتيب المصحف، وتم ذلك على أيدي طائفة من العلماء منهم ابن ماجه المتوفى سنة ٢٧٣ هـ، وابن جرير الطبري المتوفى سنة ٣١٠ هـ، وأبو بكر بن المنذر النيسابوري المتوفى سنة ٣١٨ هـ، وابن أبي حاتم المتوفى سنة ٣٢٧ هـ، وأبو الشيخ بن حبان المتوفى سنة ٣٦٩ هـ، والحاكم المتوفى سنة ٤٠٥ هـ، وأبو بكر بن مردويه المتوفى سنة ٤١٠ هـ، وغيرهم من أئمة هذا الشأن.