قال بعض أهل التأويل: ليكفر من كفر بعد ذلك عن بينة وحجة أن رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - كان على الحق، وكان صادقًا ويؤمن من آمن على مثل ذلك.
وعن ابن عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال:(لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ) قال: ليموت من مات، (وَيَحْيَى مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ) يقول: عن بيان وحجة.
وهو - واللَّه أعلم - أن رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - قد كان أتاهم بآيات حسية، فسموه ساحرًا، وأخبرهم بالأنباء الماضية التي كانت في كتبهم، فقالوا:(إِنْ هَذَا إِلَّا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ)، وقالوا: إنه معلم (إِنَّمَا يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ).
وقد كان رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - يخالفهم في جميع صنيعهم من عبادتهم الأصنام والأوثان دون اللَّه، وكان يخوفهم ويوعدهم بأشياء، وكان لا يخافهم، وهم كانوا رؤساء كبراء، لا يخالفهم أحد في أمرهم ونهيهم إلا من كان به جنون، فلما رأوا رسول اللَّه خالفهم في جميع أمورهم نسبوه إلى الجنون، وقالوا:(سَاحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ)، و (مُعَلَّمٌ مَجْنُونٌ)؛ فأراد اللَّه أن يجعل له آية عظيمة؛ حتى لا يقدروا بالنسبة إلى شيء مما كانوا ينسبونه من قبل، فوعدهم النصر والفتح يوم بدر بعد ما علم أُولَئِكَ ضعف المؤمنين، وقلة عددهم، وقوة أنفسهم، وكثرة عددهم؛ لتكون حياة من حيي بعد ذلك عن بينة، وموت من مات على مثل ذلك، وإن كان له من الآيات ما لو لم يعاندوا ولا يكابروا عقولهم، لكانت واحدة منها كافية.
فَإِنْ قِيلَ: ما الحكمة في ذكر القصة من أولها إلى آخرها، وهم قد علموا ذلك كله وشاهدوه؟!
قيل: يذكرهم اللَّه - واللَّه أعلم - الحال التي كانوا عليها أمن الضعف والقلة والخوف وفقد أسباب الحرب والقتال وكثرة العدو وقوتهم ووجود أسباب الحرب والقتال؛ ليعلم الخلق أن النصر والغلبة ليس يكون بالكثرة، والقوة والأسباب؛ ولكن باللَّه - عز