للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وقلة عددهم، وكثرة أعدائهم وقوتهم؛ رجاء أن يسلم لهم دينهم، يذكره لنا لنعرف عظيم محل الدِّين في قلوبهم؛ ليكون محل الدِّين في قلوبنا على مثل قدره.

وفي قوله: (إِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ غَرَّ هَؤُلَاءِ دِينُهُمْ) دلالة إثبات رسالة مُحَمَّد؛ لأنهم إنما قالوا ذلك سرا فيما بينهم، فأطلع اللَّه رسوله على ذلك؛ ليعلم أنه عرف ذلك باللَّه.

ثم اختلف في قوله: (وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ)؛ قَالَ بَعْضُهُمْ: هم المشركون، قال المنافقون والمشركون للمؤمنين: (غَرَّ هَؤُلَاءِ دِينُهُمْ).

وقَالَ بَعْضُهُمْ: هم قوم أسلموا وقد كانوا ضعفاء في الإسلام والدِّين، فلما خرجوا إلى بدر، فرءوا ضعف أصحاب رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - وقوة أُولَئِكَ القوم قالوا عند ذلك: (غَرَّ هَؤُلَاءِ دِينُهُمْ).

وقد ذكر في بعض القصة أن قومًا كانوا أسلموا بمكة، ثم أقاموا مع المشركين ولم يهاجروا إلى المدينة، فلما خرج كفار مكة إلى قتال بدر خرج هَؤُلَاءِ معهم، فلما عاينوا قهلة المسلمين شكوا في دينهم وارتابوا، فقالوا مع المنافقين: (غَرَّ هَؤُلَاءِ دِينُهُمْ)، يعنون: أصحاب رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - فقال اللَّه: (وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ): من المؤمنين فيثق به في النصر ببدر؛ لقولهم: (غَرَّ هَؤُلَاءِ دِينُهُمْ).

وقوله: (إِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ): يجيء أن يكون هم المنافقون؛ على ما فسره في آية أخرى، فإن كان على ذلك فيكون على إسقاط الواو، وكأنه قال: يقول المنافقون الذين في قلوبهم مرض، إلا أن يقال: إن المنافقين هم الذين أضمروا الكفر حقيقة، والذين في قلوبهم مرض هم الذين لم يضمروا الكفر، لكنهم ارتابوا وشكوا، واعترضهم شك وارتياب من بعد إذ رأوا تأخر الموعود.

وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (غَرَّ هَؤُلَاءِ دِينُهُمْ) يخرج على وجهين:

أحدهما: قالوا: غر هَؤُلَاءِ الموعود الذي وعدهم رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - من الفتوح لهم والنصر في الدنيا؛ يقولون: غَرَّ هَؤُلَاءِ ذلك الموعود الذي كانوا به من الفتوح والنصر الذي وعدهم.

والثاني: يقولون: غَرَّ هَؤُلَاءِ الموعود الذي وعدوا في الآخرة من النعيم الدائم والحياة الدائمة.

<<  <  ج: ص:  >  >>