للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ألا ترى أنه ذكر في الناسخ عددًا غير العدد الذي في المنسوخ؛ ذكر العشرين لمائتين، وفي الناسخ ذكر الألف لألفين بقوله: (وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ أَلْفٌ يَغْلِبُوا أَلْفَيْنِ بِإِذْنِ اللَّهِ).

فإن كان لا على التحديد فيلزم الواحد القيام لاثنين، وفي الأول الواحد لعشرة؛ وعلى ذلك روي عن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: إذا لقي الرجل رجلين من الكفار فاستأسر، فلا فداء له علينا، فإذا لقي ثلاثة فأسر، فعلينا فداؤه.

ولم يجعل للواحد الفرار من اثنين؛ حيث لم يوجب عليه الفداء، وقد جعل له الفرار عن ثلاثة؛ حيث جعل عليه الفداء.

وكذلك روي عن ابن عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أنه قال ذلك.

ويحتمل على التحديد، إذا كمل العدد الذي ذكر لم يسع الفرار، ويلزمهم القيام لهم، وإذا كانوا دون ذلك لم يلزم.

وكذلك قال الحسن: أمر أن يصبر عشرون لمائتين، إن فروا منهم لم يعذروا، وأن يصبر الألف لألفين، إن فروا منهم لم يعذروا.

قال: ثم أنزل اللَّه: (الْآنَ خَفَّفَ اللَّهُ عَنْكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفًا) فأمر أن يصبر مائة لمائتين، وإن فروا منهم لم يعذروا، وأن يصبر الألف لألفين، إن فروا منهم لم يعذروا؛ فإن كان على التحديد، فهو على ما يقولون أنهم ما لم يكونوا منعة فإنه يسعهم ألا يقاتلوا.

وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (فَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ صَابِرَةٌ).

قَالَ بَعْضُهُمْ: الصبر: هو حبس النفس على ما أمر اللَّه، وكفها عن جميع شهواتها ولذاتها، فإذا فعل ذلك غلب على العدو وقهره.

وقَالَ بَعْضُهُمْ: الصبر: هو أن يوطن نفسه في القتال مع العدو ويحبسها في ذلك.

والشكر، قيل: هو أن يبذل نفسه وما تحويه يده لله، لا يجعل لغيره، فيكون الشكر والصبر في الحاصل سواء، وإن كانا في العبادة مختلفين؛ لأن الشكر: هو بذل النفس وما حوته يده لله، والصبر: هو الكف والإحباس على جميع ما أمر اللَّه، وأداء ما فرض الله عليه، فإذا حبسها عن غيره يكون باذلًا؛ ولهذا سمي الصبر إيمانًا بقوله: (إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ. . .) الآية، ذكر الصبر - هاهنا - مكان ما ذكر في غيرها الإيمان بقوله: (إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ) الآية.

<<  <  ج: ص:  >  >>