للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

حقيقة يباح في حال إضرار عند خوف الهلاك وذهاب الدِّين، فيجوز أن يكون قوم أسروا الإيمان في أنفسهم وكتموه، ويظهرون الموافقة لهم في الظاهر؛ إشفاقًا على دينهم، وخوفًا على أنفسهم، فيباح لهم ذلك؛ لما ذكرنا.

فلما أن جعل اللَّه الهجرة، وجعل للمؤمنين مأوى وأنصارًا يلجئون ويأوون إليهم - لم يعذروا في إظهار الموافقة لهم، وإن كانوا في السر ليسوا على دينهم؛ لما ذكرنا.

فهذا يدل على أن من أجرى كلمة الكفر على لسانه في غير اضطرار يصير كافرًا؛ على ما جعل هَؤُلَاءِ أولياء الكفرة حقيقة ظلمة مثلهم إذا تولوهم في الظاهر، وإن لم يكونوا في الحقيقة كذلك، وهذا أشبه، وهو ما قال - عَزَّ وَجَلَّ -: (إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ. . .) الآية، لم يعذروا في تركهم الهجرة؛ فعلى ذلك هَؤُلَاءِ إذا أظهروا الموافقة لهم بعد ما جعل لهم المأوى والأنصار، صاروا هم - في الحقيقة - كذلك، نهانا عن موالاة الكفرة جملة بقوله: (لَا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ) وقال: (لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ)، وقال: (لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ) هذا النهي لنا في جملة الكافرين، ثم نهانا عن اتخاذ اليهود والنصارى أولياء؛ كقوله: (لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ)، ثم نهانا أن نوالي المتصلين من الآباء والأمهات وغيرهم من القرابات؛ لما تقع الشبه في موالاة المختصين بهم، فخص النهي فيه، وكذلك في تخصيص اليهود والنصارى؛ لما بيننا وبينهم موافقة في التوحيد والكتب، فخص النهي في ذلك.

ثم الولاية التي نهانا عنها تخرج على وجوه:

<<  <  ج: ص:  >  >>