للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وقال في آية أخرى: (تَكَادُ السَّمَاوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنْشَقُّ الْأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبَالُ هَدًّا (٩٠) أَنْ دَعَوْا لِلرَّحْمَنِ وَلَدًا (٩١)، أخبر أن السماوات تكاد أن تتفطر، وتنشق الأرض، وتخر الجبال؛ لعظيم ما قالوا في اللَّه - سبحانه - من البهتان والفرية عليه أن له ولدًا، ثم بين الذي ذكر ذلك فقال: (وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ وَقَالَتِ النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ): فذكر الآية، وأخبر - واللَّه أعلم - أنهم قالوا في اللَّه ما قالوا لوجوه:

أحدها: دلالة إثبات رسالة مُحَمَّد - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ -؛ لأن هَؤُلَاءِ المتأخرين لم يقولوا هذا، ولكن إنما قال ذلك أوائلهم، لكن كتموا ذلك، فأخبر رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - أن أوائلهم قالوا ذلك، وهم كانوا يكتمون عن رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - ذلك؛ ليعلموا أنه إنما علم ذلك باللَّه.

والثاني: يخبر رسوله سفه أوائلهم، ويصبره على سفه هَؤُلَاءِ؛ ليصبر على سفههم وأذاهم.

والثالث: يخبر أنهم مشبهة؛ لأنهم نسبوا المخلوق إليه، وقالوا: إن فلانًا ابنه؛ لما رأوا منه أشياء، فلولا أنهم عرفوا اللَّه بمثل معرفتهم المخلوق وإلا ما قالوا ذلك، ولا اعتقدوا من التشبيه، وغير ذلك، واللَّه أعلم.

وقوله: (ذَلِكَ قَوْلُهُمْ بِأَفْوَاهِهِمْ).

أي: ذلك قول قالوه بلا حجة ولا برهان كان لهم في ذلك.

أو قالوا ذلك بأفواههم على غير شبه اعترضت لهم تحملهم على ذلك.

وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (يُضَاهِئُونَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَبْلُ).

يحتمل هذا أن قد كان قبل هَؤُلَاءِ من قد قال مثل قول هَؤُلَاءِ (يُضَاهِئُونَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَبْلُ) من الشرك أو الكفر أو غير ذلك من الكذب والافتراء على اللَّه، كقوله: (تَشَابَهَتْ قُلُوبُهُمْ) بالكفر وكقوله: (كَذَلِكَ يُحْيِ اللَّهُ الْمَوْتَى) ليس أن يُحْيِ الموتى كلهم إحياء كما أحيا ذلك القتيل بضرب بعض من البقرة، ولكن يحييهم إحياء، فعلى ذلك قوله: (يُضَاهِئُونَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَبْلُ) في الكفر نفسه.

ويحتمل: ضاهى قول النصارى قول اليهود، والمضاهاة: المشابهة والإشباه.

<<  <  ج: ص:  >  >>