أمرتني بالخروج ولم تأذن بالقعود والتخلف فقعدت وتخلفت، كنت عاصيًا، تاركًا لأمرك، فكنت أنت سبب عصياني وفتنتي.
والثاني: قوله: (وَلَا تَفْتِنِّي)، أي: لا تأمرني المشقة والشدة، ولكن الدعة والسعة والرخاء حيث كانوا مالوا إليهم؛ كقوله:(وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى حَرْفٍ. . .) الآية يقول: لا تكن سبب إثمي وانقلابي.
ومنهم من قال: إن رجلًا منهم يقال له: الجد بن قيس قال: إني إذا رأيت النساء لم أصبر حتى أفتتن، ولكن أعينك بمال، ففيه نزل قوله:(قُلْ أَنْفِقُوا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا لَنْ يُتَقَبَّلَ مِنْكُمْ)، وهو قول ابن عَبَّاسٍ؛ يقول: لا تأمرني بالخروج؛ فإني مولع بالنساء، لا أصبر إذا رأيتهن.
ولا ندري كيف كانت القصة، لكن الوجوه فيه ما ذكرنا آنفًا.
وقوله:(وَلَا تَفْتِنِّي)، أي: ولا تمتحني بالمحنة التي فيها الهلاك والمشقة، فقال:(أَلَا فِي الْفِتْنَةِ سَقَطُوا) أي: ألا في المشقة والفتنة والبلاء والهلاك سقطوا؛ وهذا يدل أن أهل النفاق هم كفرة.
وقوله:(أَلَا فِي الْفِتْنَةِ سَقَطُوا) أي: ألا في الشر والإثم سقطوا؛ على تأويل من تأول قوله:(وَلَا تَفْتِنِّي): لا تؤثمنى، ولا تخرجني.
وعلى تأويل من قال:(وَلَا تَفْتِنِّي): لا تشق على، ولا تأمرني بالمشقة والشدة والضيق، يقول: ألا في الشدة والضيق يسقطون.
أو تحيط بهم من تحت ومن فوق، وأمام وخلف، ويمين وشمال، تحيط بهم حتى تصيب كل جارحة منهم؛ كقوله:(لَهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ ظُلَلٌ مِنَ النَّارِ. . .)، أخبر أنها تحيط بهم.
وفيه دلالة: أن المنافقين هم كفار؛ لأنه ذكر في أول الآية صفة المنافقين، ثم أخبر أن جهنم تحيط بالكافرين.