وأهل الكفر يدينون -أيضًا- بدين ويتناصرون به، ويعاون بعضهم بعضًا؛ فصار لكل واحد من الفريقين موالاة فيما بينهم: موالاة الدِّين.
وأما المنافقون: فإنه لا دين لهم يدينون به، ولا مذهب ينتحلونه، ولا يناصر بعضهم بعضًا، ولا يعاون بعضهم بعضًا، ولا يجري بينهم التناصر والتعاون، فإنما هم عباد النعمة والسعة، مالوا حيثما مالت النعمة والسعة فلا موالاة بينهم لما ذكرنا.
وفي قوله:(وَالْمُنَافِقَاتُ) دلالة أن من نافق بالتقليد لآخر أو كفر بالتقليد لآخر، أو نافق لا بتقليد - سواءٌ في استيجاب الإثم والتعذيب في ذلك والوعيد؛ لأن النساء هن أتباع وأهل تقليد للرجال، ثم سوى بينهم وبين النساء في الوعيد.
يحتمل قوله:(يَأْمُرُونَ بِالْمُنْكَرِ)، أي: ما تنكره العقول، وهو الشرك بالله والخلاف له.
(وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمَعْرُوفِ)، أي: ينهون عما تعرفه العقول وتستحسنه، وهو التوحيد لله والإيمان به، ويدخل في ذلك كل خير وحسن، وفي المنكر يدخل فيه الشرك وكل معصية.
من الإنفاق في سبيل الخير، لكن يحتمل أن يكون على التمثيل لا على تحقيق قبض اليد، ولكن على كف النفس ومنعها من الاشتغال بالخيرات وخوضها فيها وفي جميع الطاعات، لكنه ذكر اليد؛ لما بالأيدي يعمل بها ويكتسب الخيرات والسيئات؛ كقوله:(ذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ (١٨١) ذَلِكَ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ)، وذلك مما لم تقدمه الأيدي ولا كسبت؛ إنما ذلك كسب القلب، لكنه ذكر اليد؛ لما ذكرنا أنه باليد ما يقدم وبها يقبض في الشاهد، وجائز أن يكون ما ذكر من قبض اليد كناية عن بخلهم وقلة إنفاقهم في الجهاد؛ كقوله:(وَلَا يُنْفِقُونَ إِلَّا وَهُمْ كَارِهُونَ).