والثاني:(مَا لَا يَضُرُّهُمْ) أي: ما لا يملكون الضرر بهم، (وَلَا يَنْفَعُهُمْ) أي: ولا يملكون جر النفع إليهم يسفههم في عبادتهم من لا يملك بهم دفع الضرر، ولا يملك جر النفع، وتركهم عبادة من به يكون جميع منافعهم وعذابهم، ومنه يكون كل خوف وضرّ، واللَّه أعلم.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَيَقُولُونَ هَؤُلَاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ): يحتمل هذا القول منهم تقليدا لآبائهم؛ كقولهم:(وَجَدْنَا عَلَيْهَا آبَاءَنَا وَاللَّهُ أَمَرَنَا بِهَا)، ظنوا أن آباءهم لما تركوا وما هم عليه لم يعذبوا - أنهم على الحق، وأن اللَّه قد رضي بذلك، أو قالوا ذلك لما لم يروا أنفسهم أهلا لعبادة اللَّه والقيام بخدمته، وقد يكون مثل هذا في ملوك الأرض أن كل أحد لا يرى نفسه يصلح لخدمة الملك، فيخدم من دونه المتصلين به رجاء أن يكون من خدمه شفيعا له عند الملك؛ فعلى ذلك هَؤُلَاءِ طمعوا أن عبادتهم هَؤُلَاءِ تقربهم إلى اللَّه زلفى، ويكونون لهم شفعاء عند اللَّه، واللَّه أعلم.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (قُلْ أَتُنَبِّئُونَ اللَّهَ بِمَا لَا يَعْلَمُ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ) يقول: أتنبئون اللَّه أي أتخبرون اللَّه بما لا يعلم، أي: تعلمون أنه عالم، أي: أتعلمون من تَعْلمون أنه يعلم ما ذكر وأنتم لا تعلمون ذلك، وقد تعلمون أنه لو كان كذلك لكان هو أعلم به منكم.
والثاني: أن تقولوا ما لا يعلم، أي: يعلم أنه ليس كما تقولون كقول الناس: ما شاء اللَّه كان وما لم يشأ لا يكون، أي: ما شاء ألا يكون لا يكون.
وقوله: [(سُبْحَانَهُ)]: كلمة جعلت لإجلال اللَّه عما يحتمله غيره من الأشكال والأضداد، ومن العيوب والآفات، وهو في هذا الموضع يتوجه إلى وجهين إذ كانوا يعبدون ما ذكر ويقولون: هم شفعاؤنا عند اللَّه، فيقول: سبحانه أن يجعل لأمثال أُولَئِكَ