الذي ذكر وبلغ المبلغ الذي ذكر لو علم أن عاقبته كما كان ما أنفق عليه، أو لو علم أنه لا ينتفع به ما أنفق تلك النفقة، أي: لو علم أن سروره وابتهاجه به لا يبقى ولا يدوم إلى آخره ما تكلف ذلك، أو لو علم أنها تزول عنه وتنقطع عن تلك السرعة ما أنفق ذلك وما تكلف الذي تكلف.
ويحتمل ضرب مثل الحياة الدنيا بما ذكر من النبات وجهين:
أحدهما: يخبر عن سرعة زوالها وانقطاعها كالنبات الذي ذكر أنه يتسارع إلى الزوال والانقطاع لما يصيبه من الآفة فعلى ذلك الدنيا.
والثاني يخبر عن تغيرها وانقلاب أمرها كالنبات، الذي يتغير في أدنى مدة ووقت.
وقال أَبُو عَوْسَجَةَ: زخرفها: زينتها من النبت، (حَصِيدًا) أي: محصودا كما يحصد الحصاد، والحصاد: الزرع، (كَأَنْ لَمْ تَغْنَ بِالْأَمْسِ) أي: لم تعش، والمغاني هي، المواضع التي يعيش فيها الناس، قال: وواحد المغاني مغنى.
وقَالَ الْقُتَبِيُّ: وأصل الزخرف الذهب؛ يقال للنقش والذهبة وكل شيء زين: زخرف، وقال:(كَأَنْ لَمْ تَغْنَ بِالْأَمْسِ) والمغاني: المنازل واحدها مغنى.
وقَالَ بَعْضُهُمْ:(كَأَنْ لَمْ تَغْنَ بِالْأَمْسِ) أي: لم تنعم.
وقيل: لم تعمر.
وقَالَ بَعْضُهُمْ: هو من الغِنَى، أي: كأن لم تكن غنيا بالأمس، واللَّه أعلم.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَظَنَّ أَهْلُهَا أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَا) أي: ظن أهل الدنيا فيما ينفقون أنهم قادرون على تلك النفقة، كما ظن صاحب الزرع أنه قادر على ذلك الزرع.
وقوله:(أَتَاهَا أَمْرُنَا) قيل: عذابنا سمي أمرًا؛ لأنه بأمره أتاه، وفيه أنه لم يأته عن غفلة وسهو، ولكن عن علم وأمر؛ عظة لهم وتنبيهًا؛ ألا ترى أنه قال:(كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ) كأن الآيات في هذا الموضع المواعظ، أي: فيما ذكر من ضرب مثل الحياة الدنيا بالنبات والزرع الذي ذكر عظة وتنبيه لمن تفكر فيه، واللَّه أعلم.