أحدها: قوله: (هِيَ رَاوَدَتْنِي عَنْ نَفْسِي)، ولو كان منه الإرادة والمراودة، لم يكن ليقول ذلك لها ويبرئ نفسه من ذلك.
والثاني: قوله: (كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ)، ولو كان شيء مما ذكروا من حل السراويل والجلوس بين رجليها، لم يكن السوء مصروفًا عنه.
والثالث: قوله: (ذَلِكَ لِيَعْلَمَ أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ بِالْغَيْبِ)، ولو كان منه ما ذكروا لقد خانه بالغيب.
هذا كله يدل أن ما قاله أهل التأويل فاسد، لا يحل أن يتكلم فيه بشيء من ذلك، وليس في ظاهر الآية شيء مما قالوا لا قليل ولا كثير؛ إذ ليس فيه سوى أن همت به وهم بها.
ثم تحتمل الآية وجوهًا عندنا:
أحدها: همت به: هم عزم، وهم بها هم خطر، ولا صنع للعبد فيما يخطر بالقلب، ولا مؤاخذة عليه، وهو قول الحسن.
والثاني: همت به همّ الإرادة والتمكن، وهم بها هم دفع، لكنه يدخل عليه قوله:(لَوْلَا أَنْ رَأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ)، لو كان همه بها هم دفع لم يكن لقوله:(لَوْلَا أَنْ رَأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ) معنى، لكنه يشبه أن يكون هم بها، أي: هم بقتلها، فإذا كان هم بقتلها فرأى برهان ربه فتركها لما لا يحل قتلها.
والثالث: كان يهم بها لولا أن رأى برهان ربه على الشرط؛ كان يهم بها لولا ما رأى من برهان ربه، وهو كقوله:(وَلَوْلَا أَنْ ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ)، لولا ما كان من تثبيتنا إياك، وكذلك يخرج قول إبراهيم:(بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَذَا فَاسْأَلُوهُمْ إِنْ كَانُوا يَنْطِقُونَ) أي: لو كان هو الذي ينطق لفعل هو.
ثم اختلف في قوله:(لَوْلَا أَنْ رَأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ): قال بعض أهل التأويل: رأى يعقوب عاضًّا على شفتيه.