يحتمل (كَذَلِكَ كِدْنَا) أي علمنا يوسف - من أول الأمر إلى آخره - ما يكيد ويحتال في إمساك أخيه عنده ومنعه عنهم؛ لأن يخلو لهم وجه أبيهم جزاء ما طلبوا هم: أن يخلو لهم وجه أبيهم؛ بتغييب يوسف عن أبيه؛ لأن أباهم قال:(حَتَّى تُؤْتُونِ مَوْثِقًا مِنَ اللَّهِ لَتَأْتُنَّنِي بِهِ إِلَّا أَنْ يُحَاطَ بِكُمْ)، فلما بلغه ذلك الخبر - تولى عنهم؛ وهو قوله:(وَتَوَلَّى عَنْهُمْ وَقَالَ يَا أَسَفَى عَلَى يُوسُفَ. . .) الآية؛ هذا - واللَّه أعلم - جزاء كيدهم الذي كادوا بيوسف ليخلو لهم وجه أبيهم؛ ليتولى عنهم أبوهم، هذا يشبه أن يكون.
والثاني:(كِدْنَا لِيُوسُفَ) أي: علمناه أن كيف يفتش أوعيتهم لئلا يشعروهم أنه عن علم استخرجها من وعاء أخيه؛ لا عن جهل وظن، فعلمه البداية في التفتيش بأوعيتهم؛ لئلا يقع عندهم أنه عن علم ويقين يأخذه.
يشبه - واللَّه أعلم - أن يخرج قوله:(كَذَلِكَ كِدْنَا لِيُوسُفَ) على هذين الوجهين. أو (كِدْنَا لِيُوسُفَ) أي: أمرنا يوسف بالكيد بهم؛ جزاء ما عملوا بمكانه لما اهتموا بإمساك أخيهم.
أي في حكم الملك، ذكر أن حكم إخوة يوسف وقضاءهم فيهم: أن من سرق يكون عبدًا بسرقته للمسروق منه، ويستعبد بسرقته، ومن حكم الملك: أن يغرم السارق ضِعْفَي ما سرق؛ ويضرب ويؤدب؛ ثم يخلى عنه، ولا نعلم ما حكم الملك في السرقة، سوى أنه أخبر أن ليس له أخذ أخيه في دين الملك.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ) أن يجعل ذلك الحكم حكم الملك، أو يجعل له حق الأخذ وحبسه؛ وإن لم يكن ذلك في حكمه.
أو أن يكون قوله:(إِلَّا أَن يَشَاءُ اللَّهُ) على ما كان من إبراهيم: (وَلَا أَخَافُ مَا تُشْرِكُونَ بِهِ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ رَبِّي شَيْئًا) وكان الأنبياء - عليهم السملام - يذكرون الثنيا على حقيقة المشيئة، أو يقول: إلا أن يكون في علم اللَّه مني زلة؛ فاستوجب عند ذلك الكون في دين ذلك الملك؛ فيشاء ما علم مني، وكذلك قول إبراهيم حيث قال: