العين لا العين نفسه ولكن نفسه؛ كأنه قال: لا تمنَّيَن نفسك فيما متعوا هم ولا ترغبنها في ذلك؛ فإنه ليس يوسع ذلك عليهم لخطرهم وقدرهم؛ ولكن ليعلم أن ليس لذلك خطر عند اللَّه وقدر؛ حيث أعطى من افترى على اللَّه، وجحد نعمه وفضْله.
وفي الآية تفضيل الفقر على الغنى؛ لأنه نهى رسوله أن يمد عينيه إلى ما متعوا، ومعلوم أن رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - إذا مدّ إلى ذلك ليس يمد للدنيا ولا لشهواته؛ ولكن يستعين به في أمر جهاد عدوه، ويعين به أصحابه في سبيل الخيرات، ثم نهاه مع ذلك عنه؛ دل أن الأخير والأفضل ما اختاره من الفقر، وقصور ذات يده. واللَّه أعلم.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (أَزْوَاجًا مِنْهُمْ).
أي: أصنافًا من الأموال، وألوانًا من النعم. وقَالَ بَعْضُهُمْ:(أَزْوَاجًا مِنْهُمْ): أي: الأغنياء منهم وأشباهه؛ فإن كان قوله:(أَزْوَاجًا مِنْهُمْ) هو أصناف الأموال - فهو على التقديم والتأخير، كأنه قال: لا تمدن عينيك إلى ما متعنا منهم أزواجًا.
وإن كان أزواجًا منهم هو أصناف الناس فهو على النظم الذي جرى به التنزيل؛ أي: لا تمدن عينيك إلى ما متعنا به قومًا منهم.
وفي قوله: [(لَا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِنْهُمْ)] دلالة نقض قول المعتزلة؛ لأنهم يقولون: إن اللَّه لا يعطى أحدًا شيئًا إلا ما هو أصلح له في الدِّين، ولو كان ما متع هَؤُلَاءِ أصلح لهم في الدِّين - لم ينه رسوله عن مد عينيه إليه، دلّ أنه قد يعطي ما ليس بأصلح في الدِّين، وكذلك قوله:(وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لِأَنْفُسِهِمْ إِنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدَادُوا إِثْمًا)، أخبر أنه إنما يملى لهم ليزدادوا إثمًا، وهم يقولون: يملي لهم ليزدادوا خيرًا. وكذلك قوله:(وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ هُوَ خَيْرًا لَهُمْ بَلْ هُوَ شَرٌّ لَهُمْ. . .) الآية، هذه الآيات كلها تنقض عليهم قولهم، وقد ذكرنا هذا في غير موضع فيما تقدم.