للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وقَالَ بَعْضُهُمْ: المنكر: ما لا يعرف في الشرائع والسنن. ويقال: المنكر: ما أوعد اللَّه عليه النار، والبغي: الاستطالة، والظلم، ثم يجب أن نقرر حقيقة العدل: ما هو؟ فهو - واللَّه أعلم -: وضع كل شيء موضعه؛ فيدخل فيه كل شيء: التوحيد وغيره؛ بجعل الربوبية والألوهيةِ لله لا شريك فيها غيره، ولا يصرفها إلى غيره، ولا يضيف، بل ينسب الربوبية والألوهية إلى اللَّه، والعبودية إلى العباد، ولا يضاف العبودية إلى اللَّه، ولا الربوبية والألوهية إلى العباد؛ فذلك العدل ووضع كل شيء موضعه: الربوبية في موضعها، والعبودية في موضعها، هذا - واللَّه أعلم - معنى العدل.

وأمَّا الإحسان: فهو ما قال النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ -: إن جبريل سأله عن الإحسانِ حين سأله عن الإيمان والإسلام؛ فقال ما الإحسان؟ فمَال: " أَنْ تَعْمَلَ لِلَّهِ كَأنكَ تَراهُ، فَإنْ لَم تَكُنْ تَرَاهُ فَإِنَهُ يَرَاكَ ". ومن يعمل لآخر بحيث يراه وينظر إليه يكون أبدًا طالب رضاه في ذلك العمل، وإخلاصه له وطلب مرضاته فيه؛ فهو يحتمل وجوهًا ثلاثة - أعني الإحسان -: أحدها: ما ذكر أنه يعمل له كأنه يراه، وذلك فيما بينه وبين ربه.

والثاني: فيما بينه وبين الخلق، وهو أن يحب لهم كما يحب لنفسه فيما أذن له في ذلك، أو نقول على الإطلاق يحب لهم كما يحب لنفسه.

فإن عورض بالقتال والحروب التي بيننا وبين أهل الحرب، وذلك بالذي لا نحب لأنفسنا ونحب لهم - قيل: في ذلك طلب نجاتهم وتخليصهم من الهلاك والعذاب الدائم الأبدي، وذلك ما نحبه نحن لأنفسنا: أن يسعى أحد في نجاة أحدنا من المهلكة؛ ألا ترى أنه قال: (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ) وليس في القتال في الظاهر رحمة، لكن في الحقيقة رحمة؛ حيث يحملهم القتال على الإسلام؛ إذ كان قبل نصب القتال والحروب معهم لم يسلم إلا قليل منهم؛ فلما نصب الحروب معهم والقتال دخلوا في الإسلام أفواجًا أفواجًا؛ فصار ذلك في الحقيقة رحمة، وإن كان في رأي العين في الظاهر ليس برحمة.

<<  <  ج: ص:  >  >>