وقال أبو بكر: أي ذكرهم النعم التي أنعم عليهم، (وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ)، أي: جادلهم أحسن المجادلة بلين القول، وخفض الجانب والجناح؛ لعلهم يقبلون دينهم، ويخضعون لربهم.
وكذلك اختلفوا في قوله:(وَإِذْ عَلَّمْتُكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ)، وقوله:(لَمَا آتَيْتُكُمْ مِنْ كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ): قال الحسن: الكتاب والحكمة: واحد؛ اسم شيء، وهو القرآن.
وقَالَ بَعْضُهُمْ: الكتاب هو القرآن، وهو سماع الوحي، والحكمة: وحي الإلهام، وهو السنة.
وقَالَ بَعْضُهُمْ: الكتاب: هو التنزيل، والحكمة: هي المعنى المودع فيه؛ فمن يقول: إن الكتاب والحكمة واحد، وهي القرآن يقول في قوله:(ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ): القرآن، ومن يقول عنه: إنهما غيرٌ - يقول - هاهنا -: إن الحكمة: الحجة والبرهان، إما من جهة الإلهام أو من جهة الانتزاع من الكتاب.
ويحتمل أن يكون قوله:(ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ): التي ذكر في هذه السورة؛ من ذلك قوله:(يَخْرُجُ مِنْ بُطُونِهَا شَرَابٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ): يعني: من بطون النحل، وقوله:(وَإِنَّ لَكُمْ فِي الْأَنْعَامِ لَعِبْرَةً نُسْقِيكُمْ مِمَّا فِي بُطُونِهِ مِنْ بَيْنِ فَرْثٍ وَدَمٍ لَبَنًا خَالِصًا سَائِغًا لِلشَّارِبِينَ) وما ذكر أنه يخرج من الخشب اليابسة - الأعناب وأنواع الثمرات ونحوه؛ فذلك كله بحكمته، أي: ادعهم إلى دينه وذكرهم بهذا، وهم يقرون به؛ ليقبلوا دينه ويخضعوا لأمره.
والموعظة الحسنة: ما ذكر في قوله: (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ. . .) الآية. وذلك كله مستحسن في العقل وتوجبه الحكمة؛ لأن العدل والإحسان، وما ذكر من إيتاء ذي القربى - الصدقة - مستحسن في عقل كل أحد. والانتهاء -أيضًا- عن الفحشاء والمنكر مستحسن، مستقبح ارتكابه وإتيانه؛ كأن الحكمة هي التي تشتمل على العلم والعمل جميعًا؛ كأنه قال: ادعهم إلى دين اللَّه بالعلم والعمل جميعًا؛ حتى ينجع ذلك فيهم؛ أو: ادعهم باللين وخفض الجناح مرة، وبالعنف والخشونة ثانيًا؛ فيكون وضع الشيء موضعه، ثم قال:(يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ).