مترفيها، أي: أكثرنا عددهم وسلطنا مترفيها فُسَّاقَهَا ومستكبريها.
والثاني:(أَمَّرْنَا مُتْرَفِيهَا)، أي: أكثرنا عددهم ومُنَعَّمِيهم؛ يذكر لهم هذا لقولهم:(وَكَذَلِكَ مَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَذِيرٍ إِلَّا قَالَ مُتْرَفُوهَا إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ. .) الآية. وقولهم:(نَحْنُ أَكْثَرُ أَمْوَالًا وَأَوْلَادًا. . .) الآية: كانوا يزعمون أنهم لا يعذبون؛ لأنهم قد أنعموا في هذه الدُّنيَا وأكثروا أموالهم وأولادهم؛ فأخبرهم - عَزَّ وَجَلَّ - أنه ما أهلك من الأمم الخالية إلا بعد ما كثر عددهم ووسع عليهم الدنيا؛ لم يهلكوا في حال القلة والضيق؛ كقوله:(ثُمَّ بَدَّلْنَا مَكَانَ السَّيِّئَةِ الْحَسَنَةَ حَتَّى عَفَوْا)، أي: كثروا؛ وقوله:(حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ) لم يأخذ بالعذاب الأمم الخالية إلا في حال كثرتهم وأمنهم وغِرَّتهم بالسَّعَة؛ يحذر هَؤُلَاءِ؛ لئلا يغتروا بكثرة أموالهم وأولادهم وعددهم.
ومن قال:(أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا) بالتخفيف هو من الأمر، أي: أمرنا عظماءهم وكبراءهم طاعة الرسل والإجابة إلى ما دعاهم إليه، حتى إذا عصوا رسله وتركوا إجابتهم - على العناد والمكابرة - فعند ذلك يهلكون؛ لما ذكرنا أنه لم يستأصل الأمم الخالية إلا بعد عنادهم في آيات اللَّه، ومكابرتهم في دفعها وتكذيبها، لا يهلكهم في أول ما كذبوا آيات اللَّه وخالفوا رسله.
وفي قوله:(وَإِذَا أَرَدْنَا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً) دلالة أن الإرادة غير المراد؛ لأنه أخبر بتقدم الإرادة عن وقت الإهلاك؛ دل أنها غيره؛ وفيه أنه أراد السبب الذي به يهلكون، وهو التكذيب والعناد؛ لما علم منهم أنهم يختارون ذلك؛ إذ لا يحتمل أن يريد هلاكهم، وهو يعلم منهم غير سبب الهلاك؛ فهذا يرد قول المعتزلة: إن الإرادة هي المراد، وأنه لم يرد ما كان منهم من سبب الهلاك، واللَّه أعلم.
بما أراد إهلاكهم وجب عليهم، أو يكون قوله:(فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ) بما أخبر عن الأمم الخالية، وهو قوله:(سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ. . .) الآية.