للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

والثاني: ما يوجد في جميع الخلائق من آثار ألوهيّته وربوبيته، وجعل العبادة له شكرًا له؛ وعلى ذلك جعل في كل جارحة من جوارح الإنسان عبادة؛ شكرًا له لما فيها من آثار ألوهيته.

والثالث: السمع، أنبأنا أن لا معبود إلا اللَّه، ولا ألوهيّة لسواه دونه؛ فذلك معنى ما فرض على خلقه وأمرهم ألا يعبدوا إلا إياه، وتأويل حكم ربّك ألا تعبدوا إلا إياه؛ لما أنشأ في خلقة كل أحد آثار وحدانيته، وشهادة ربوبيته استحقاق العبادة له، فذلك تأويل من قال: قضى، أي: حكم. وأما تأويل من قال: قضى، أي: أمر ربك وكلف ألا تعبدوا إلا إياه - يكون فيه أمر بالعبادة له، والنهي عن عبادة غيره؛ كأنه قال: أمر ربك أن اعبدوه، ونهاكم أن تعبدوا غيره، ثم الفرق بين الطاعة والعبادة: يجوز أن يطاع غيره، ولا يجوز أن يعبد غيره؛ لأن الطاعة هي الائتمار؛ كقوله: (أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ) أي: ائتمروا، وأما العبادة هي الاستسلام والخضوع له والشكر له، ولا يجوز ذلك لغيره سوى اللَّه، أو أن يكون في العبادة معنى لا يدرك، كمعنى الرحمن؛ لا يدرك، حيث لم يجوّز تسمية غيره به؛ فعلى ذلك هذا، واللَّه أعلم.

وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: وبالوالدين إحسانًا.

كأنه قال: وفرض عليكم -أيضًا- وحكم إحسان الوالدين، أو أمركم بإحسان الوالدين، ثم الإحسان في عرف الناس هو الفعل الذي ليس عليه: إنما هو فضل ومعروف يصنعه إلى غيره، هذا هو الإحسان في العرف واللغة، لكن المراد بالإحسان إلى الوالدين هو الشكر، لا ما ذكرنا من الإحسان المعروف عند الناس، وهو ما ذكر في آية أخرى: (أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ)، لأن الشكر هو المكافأة والجزاء لما أنعم وصنع من المعروف؛ فهو، واللَّه أعلم.

وإن ذكر الإحسان في هذا وفي غيره من الآيات، وهو قوله: (أَلَّا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا)، وقال في آية أخرى: (وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا)، وغيرها من الآيات - فالمراد منه، واللَّه أعلم: الشكر لهما؛ لما ذكر في آية أخرى: (أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ) والشكر هو المكافأة: أمره أن يكافئ لهما ويجازي بعض ما كان منهما إليه من التربية، والبر، والعطف عليه، والوقاية من كل سوء ومكروه: في البطن، وبعد ما خرج من البطن حتى

<<  <  ج: ص:  >  >>