هذه الآيات؛ ليحاجّ بها هَؤُلَاءِ، ويعلم أن كيف المعاملة مع هَؤُلَاءِ؛ إذ قد أقام اللَّه - تعالى - من الآيات والحجج على بعثهم وإحيائهم حججًا كافية ما لم يحتج إلى مثل هذا، لكنه ذكر هذا؛ لما ذكرنا - واللَّه أعلم -: كأن الذي حملهم على إنكار ذلك وجوه من الاعتبار:
أحدها: أنهم لم يروا من الحكمة إماتتهم ثم الإحياء على مثل ذلك إذ لو كان يحييهم ثانيًا - لكان لا يميتهم؛ كنقض البناء على قصد بناء مثله.
والثاني: لما رأوا أقوامًا قد ماتوا منذ زمن طويل ثم لم يبعثوا؛ فيقال لهم: إنه قد تأخر كونكم وإنشاؤكم، ثم لم يدلّ تأخركم على أنكم لا تكونون؛ فعلى ذلك لا يدلّ تأخر البعث على أنه لا يكون.
وأما جواب الأول فإنه يقال لهم: إنكم تقرون أنه أنشأكم أول مرة وأنه يميتكم، فليس من الحكمة إنشاء ثم الإماتة؛ لأنه يكون كمن بني بناء للنقض والإفناء؛ فإذا كان الأول، حكمة كان الثاني -أيضًا- حكمة، واللَّه أعلم.
أي: يعيدكم الذي خلقكم أول مرة ولم تكونوا شيئًا على ما ذكرنا وإعادة الشيء في عقولكم أهون وأيسر من ابتدائه؛ إذ لا أحد في الشاهد يتكلف تعلم إعادة الشيء، ومعرفته، وإنما يتكلفون تعلم ابتداء الصناعات ومعرفتها، ثم يعرفون إعادة ذلك بمعرفة ابتدائية؛ فدل ذلك أنه أهون وأيسر، وهو ما قال:(وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ) أي: في عقولكم ذلك أهون وأيسر.
وقوله - عَزَّ وَجَلََّّ -: (وَيَقُولُونَ مَتَى هُوَ): قالوا ذلك جهلاً به وإنكارًا، وإلّا لو علموا أنه كائن لا محالة لكانوا لا يقولون ذلك؛ بل يخافون كما خاف الذين آمنوا به.