للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فُعِلَ بِأَشْيَاعِهِمْ مِنْ قَبْلُ)، أي: كما حيل بين أشياعهم وبين الإيمان به، عند معاينة بأس اللَّه وعذابه، وهو قول الحسن.

وقال أبو بكر قريبًا من هذا، وهو أن من عمي عن الرشد والحق في هذه الدنيا؛ لجهله به - فهو في الآخرة عند علمه بالرشد والحق أشد عمى، أو كلام نحو هذا.

وقَالَ بَعْضُهُمْ: من عمي قلبه في الدنيا عن الإيمان باللَّه والتوحيد له - فهو في الآخرة يكون أعمى الوجه والحواس؛ كقوله: (لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيرًا)، وكقوله: (وَنَحْشُرُهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى وُجُوهِهِمْ عُمْيًا وَبُكْمًا وَصُمًّا. . .) الآية: ما ذكر ذاهبة حواسهم لما تركوا الانتفاع بها في الدنيا لما جعلت لهم الحواس.

ويشبه أن يكون قوله: (وَمَنْ كَانَ فِي هَذِهِ أَعْمَى): بالافتراء على اللَّه (فَهُوَ فِي الْآخِرَةِ أَعْمَى)، أي: مفتر على اللَّه -أيضًا- كقوله: (ثُمَّ لَمْ تَكُنْ فِتْنَتُهُمْ إِلَّا أَنْ قَالُوا وَاللَّهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ)، ونحوه: يفترون في الآخرة ويكذبون كما كذبوا في الدنيا، وكقوله: (أَوْ نُرَدُّ فَنَعْمَلَ غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ)، ثم أخبر عنهم فقال: (وَلَوْ رُدُّوا لَعَادُوا لِمَا نُهُوا عَنْهُ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ).

وقال قتادة: (وَمَنْ كَانَ فِي هَذِهِ أَعْمَى): يقول: ومن كان في الدنيا فيما أراه الله من آياته من خلق السماوات والأرض والجبال والنجوم أعمى (فَهُوَ فِي الْآخِرَةِ) الغائبة عنه التي لم يرها - (أَعْمَى وَأَضَلُّ سَبِيلًا)، وهو قريب مما ذكرنا.

وقال ابن عَبَّاسٍٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - ومن كان في هذه النعم أعمى أن يعلم أنها من ألله - فهو في الآخرة أعمى عن حجته، ويقال: عن دين اللَّه، وأضل طريقا، ويقال: أضل عن حجته.

وقال غيره من أهل التأويل: من كان في هذه النعم أعمى - يعني: الكافر - عمي عنها، وهو يعاينها؛ فلا يعرف أنها من اللَّه فيشكر ربها؛ فهو في الآخرة أعمى، يقول: عما غاب عنه من أمر الآخرة من البعث والجزاء - أعمى وأضل سَبِيلًا وأخطأ طريقًا، وبعضه قريب من بعض، واللَّه أعلم.

* * *

قوله تعالى: (وَإِنْ كَادُوا لَيَفْتِنُونَكَ عَنِ الَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ لِتَفْتَرِيَ عَلَيْنَا غَيْرَهُ وَإِذًا لَاتَّخَذُوكَ خَلِيلًا (٧٣) وَلَوْلَا أَنْ ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئًا قَلِيلًا (٧٤) إِذًا لَأَذَقْنَاكَ ضِعْفَ الْحَيَاةِ وَضِعْفَ الْمَمَاتِ ثُمَّ لَا تَجِدُ لَكَ عَلَيْنَا نَصِيرًا (٧٥) وَإِنْ كَادُوا لَيَسْتَفِزُّونَكَ مِنَ الْأَرْضِ لِيُخْرِجُوكَ مِنْهَا

<<  <  ج: ص:  >  >>