فصيَّر أَنواع الطاعات شكرًا له، فمن أَطاع اللَّه - تعالى - فقد شكر له، فيخرج تأْويل الآية على هذا.
والوجه الثاني: أنه يخرج مخرج الثناء على اللَّه - عَزَّ وَجَلَّ - والمدح له، والوصفِ بما يستحقه، والتنزيه عما لا يليق به، من توجيه النعم إليه، وقطع الشركة عنه في الإنعام والإفضال على عباده.
وعلى ذلك ما رُويَ عن رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ -: " أَن اللَّه - عَزَّ وَجَلَّ - يقول: قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين، فإذا قال العبد: الْحَمْدُ لله رَب الْعَالَمين، قال اللَّه تعالى: حَمِدَني عَبدي "؛ فجعل الحمدَ هذا الحرف، وصيَّر منه ثناءً؛ لوجهين:
أحدهما: أنه نسب الربوبية إليه في جميع العالم، وقطعها عن غيره.
والثاني: أَنه سَمَّى ذلك صلاةً، والصلاةُ اسْم للثناءِ والدعاءِ، وذلك خلاف الذم ونقيضه.
وفي الوصف بالبراءَة من الذم مدحٌ، وثناء بغاية المدح والثناءِ؛ ولذلك يفرق القول بين الحمد والشكر؛ إذ أُمِرنا بالشكر للناس بما جاءَ عن رسول اللَّه - عليه السلام -: " إنَّ من لم يَشكُرِ النَّاس لم يشكرِ اللَّه " صيره بمعنى المجازاة، والحمدُ بمعنى الوصف بما هو أَهله؛ فلم يُستَحَب الحمد إلا لله. وباللَّه التوفيق.
وقوله:(رَبِّ الْعَالَمِينَ).
رُويَ عن ابن عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أنه قال:" سيد العالَمين ". والعالم: كل من دَبَّ على وجه إلأرض.
وقد يتوجه:" الربُّ " إلى الربُوبية لا إلى السؤدد؛ إذ يستقيم القول برب كل شيء من بني آدم وغيره، نحو رب السماوات والأرضين، ورب العرش ونحوه، وغير مستقيم القول بسيد السماوات ونحوه.