أحدهما: على تعظيمه، بما ذكر على إثره، ذكر سلطانه في ربوبيته، وقدرته وخلقه ما ذكر.
والثاني: على تخصيصه بالذكر بما هو أعظم الخلق وأجله؛ على المعروف من إضافة الأمور العظيمة إلى أعظم الأشياء، كما يقال: تم لفلان ملك بلد كذا، واستوى على موضع كذا لا على خصوص ذلك في الحق، ولكن معلوم أن من له ملك ذلك فما دونه أحق به؛ وعلى ذلك قوله:(الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي. . .) الآية. بما صارت له أم القرى وأيس الذين كفروا من دينهم، وكذا ما ذكر من إرسال الرسل إلى الفراعنة، وإلى أم القرى لا بتخصيص ذلك، ولكن يذكر عظم الأمر، فمثله أمر العرش، وهو كقوله:(وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ أَكَابِرَ مُجْرِمِيهَا). وقوله:(أَمَرْنَا مُنزَفِيهَا) على لحوق غيرٍ بهم، ويحتمل أن يكون على المنع بوصف المكان؛ إذ هو أعلى الأمكنة عند الخلق ولا تقدر العقول شيئًا، فأشار إليه ليعلم علوه عن الأمكنة وتعاليه عن الحاجة، وعلى ذلك قوله:(مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلَاثَةٍ. . .) الآية، والنجوى ليس من نوع ما يضاف إلى المكان، ولكن يضاف إلى الإسرار فأخبر بعلوه عن الأمكنة، وتعاليه عن أن يخفى عليه شيء، ثم بقدرته وقوته بقوله:(وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ) أي: بالسلطان والقوة، وبالألوهية في البقاع كلها؛ لأنها أمكنة العادة بقوله:(وَهُوَ الَّذِي فِي السَّمَاءِ إِلَهٌ وَفِي الْأَرْضِ إِلَهٌ) ويملك كل شيء بقوله: (لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَمَا تَحْتَ الثَّرَى) وبقوله: (لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ)، ثم بعلوه وجلاله بقوله:(وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ)، (وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ)، (وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ)، فجمع في هذه الأحرف ما فرق في تلك، ليعلم أنه بكل ما سمى به ووصف كان ذلك له بذاته لا بشيء من خلقه، وكذلك عزه وشرفه ومجده، جل ثناؤه عن الأشباه ولا إله غيره.
وقَالَ بَعْضُهُمْ: يريد بالعرش: الملك؛ إذ هو اسم ما ارتفع من الأشياء وعلا حتى سمي به السطوح ورءوس الأشجار، والاستواء قيل فيه بأوجه ثلاثة:
أحدها: الاستيلاء، كما يقال: استوى فلان على كورة كذا، بمعنى: استولى.