استخراج تلك الحبة التي استترت واحتجبت عن الخلق بالحجب التي ذكر: ما يعجز الخلائق عن استخراج مثلها من مثل تلك الحجب والأمكنة؛ فيخافون قدرة اللَّه، ويهابون سلطانه في الانتقام منهم في مخالفة أمره ونهيه.
أو أن يكون السؤال عن الرزق؛ فيخبر بهذا أن الشيء وإن كان في مكان لا يبلغه وسع البشر وحيلهم في استخراج ذلك منه والوصول إليه بحال - فاللَّه سبحانه؛ بلطفه يرزق الخلق بأشياء خارجة عن وسعهم وحيلهم ما لا يقع لهم الطمع في ذلك؛ ليكونوا أبدًا في كل حال مطمئنين في الرزق لا يؤيسهم عجزهم ولا تعذر حيلهم عن ذلك، وألا يعلقوا قلوبهم في الرزق بالأسباب التي بها يكتسبون؛ وكذلك قال:(وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ).
أو أن يكون السؤال عن جزاء ما يعمل المرء من قليل أو كثير ومما عظم ولطف، فيخبر أنه يجزي بقليل العمل وكثيره، وكذلك يقول بعض أهل التأويل ذلك:(يَا بُنَيَّ إِنَّهَا إِنْ تَكُ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ): من خير أو شر، (فَتَكُنْ فِي صَخْرَةٍ): في جبل، (أَوْ فِي السَّمَاوَاتِ أَوْ فِي الْأَرْضِ يَأْتِ بِهَا اللَّهُ)، أي: يجازيها اللَّه؛ فيكون على هذا التأويل كقوله:(فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ)، فأي شيء كان، ففي ذلك: دلالة وحدانية اللَّه، ودلالة علمه وتدبيره، ودلالة قدرته وسلطانه، ودلالة الثقة به، والتوكل عليه في الرزف، والتفويض في الأمر في كل ما خرج عن وسع الخلق، واللَّه أعلم.
وقوله:(إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ).
قال عامة أهل التأويل: إن اللَّه لطيف في استخراج تلك الحبة، خبير بمكانها، وتأويل هذا الكلام: أي: يستخرج تلك الحبة من الحجب التي ذكر والأستار التي بين استخراجا لا يشعر بها أحد، ولا علم كيفية الاستخراج منها ولا ماهيته.
واللطيف: هو البار.
ثم يخرج هو على وجهين:
أحدهما: فيما أرسل من الرسول، وما أنزل من الكتب؛ ليدلهم إلى ما يهتدون وإِلَى ما به نجاتهم، خبير بحوائجهم.