ثم قوله:(إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ) يحتمل قوله: (عِلْمُ السَّاعَةِ) أي: وقت الساعة، كقوله:(يَسْأَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي لَا يُجَلِّيهَا لِوَقْتِهَا إِلَّا هُوَ)، وقوله:(يَسْأَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا. فِيمَ أَنْتَ مِنْ ذِكْرَاهَا. إِلَى رَبِّكَ مُنْتَهَاهَا): أخبر أنه لَا يُجَلِّيهَا لِوَقْتِهَا، وذكر لرسول اللَّه: إنك (إِنَّمَا أَنْتَ مُنْذِرُ مَنْ يَخْشَاهَا)، فأما ما سوى ذلك فليس إليك.
أو أن يكون قوله:(إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ)، أي: عنده علم بماهية الساعة وأهوالها، ولم يذكر ماهيتها وحدها وقدرها؛ فأخبر أنه يعلم هو ذلك.
وقوله:(وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ).
سمى المطر: غيثًا، فيشبه أن يكون سماه: غيثًا؛ لما به يكون للناس غياث فيما به قوام أنفسهم ودنياهم، وسماه في موضع: رحمة، وفي موضع: مباركًا، فتسميته: رحمة؛ لما به نجاة أنفسهم وأبدانهم وذلك صورة الرحمة، وسماه: مباركًا؛ لما به ينمو ويزداد كل شيء؛ إذ البركة هي اسم كل خير ينمو ويزاد بلا اكتساب.
وقوله:(وَيَعْلَمُ مَا فِي الْأَرْحَامِ).
من انتقال النطفة إلى العلقة، وانتقال العلقة إلى المضغة، وتحوله من حال إلى حال أخرى، وقدر زيادة ما فيه في كل وقت وفي كل ساعة، ونحو ذلك لا يعلمه إلا اللَّه. وأما العلم بأن فيه ولدا وأنه ذكر أو أنثى - فجائز أن يعلم ذلك غيره أيضًا.
جائز أن يكون كتم ذلك وأخفاه؛ ليكونوا في كل حال على حذر وخوف وعلى يقظة؛ إذ لو كان أطلعهم على ذلك - لكانوا آمنين إلى ذلك الوقت؛ فيعملون بكل ما يريدون ويشاءون؛ فيكون في ذلك ارتفاع المحنة، فلبس ذلك عليهم؛ ليكونوا أبدًا في كل وقت وكل حال - على حأ ر وخوت ويقظة، واللَّه أعلم.
(إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ).
وذكر بعض أهل التأويل أن رجلا من أهل البادية يقال له: الوارث بن عمرو بن حارثة ابن محارب جاء إلى النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - فقال: إن أرضنا أجدبت، فمتى الغيث؟ وتركت امرأتي حبلى؛ فماذا تلد؟ وقد علمتُ أنِّي ولدت؛ ففي أي أرض أموت؟ وقد علمت ما عملت اليوم؛ فماذا أعمل غدًا؟ ومتى الساعة؟ فأنزل اللَّه - تعالى - في مسألة المحاربي:(إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ): لا يعلمها غيره، (وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْأَرْحَامِ): من ذكر أو أنثى، (وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ) برة أو فاجزة (مَاذَا تَكْسِبُ غَدًا): من خير أو شر، (وَمَا تَدْرِي