للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وهذا يشبه أن يكون سبب نزول الآية، أو أن يكون نزولها في المنافقين، وذلك أنهم كانوا يصلون مع النبي والمؤمنين، ويرون الموافقة لهم من أنفسهم، ويقولون: (نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ)، ثم يرجعون إلى أُولَئِكَ فيقولون: (إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ)، ونحوه؛ فذكر هذا: (مَا جَعَلَ اللَّهُ لِرَجُلٍ مِنْ قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ)، أي: دينين في جوفه: أن إيمان والنفالتي، أو (قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ): قلبا لهذا، وقلبا للآخر.

أو نزلت في المشركين الذين يقرون بالوحدانية لله، وأنه هو الخالق؛ كقوله: (وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ)، ويعبدون الأصنام مع هذا؛ فيقول - واللَّه أعلم -: لم يجعل لرجل قلبين في جوفه: قلبًا للشرك، وقلبًا للإيمان والتوحيد؛ ولكن جعل قلبًا واحدًا لأحد هذين، أي: قلبًا لقبول الشرك، وقلبا لقبول الإيمان.

وبعضهم يقول: هو على التمثيل، أي: كما لم يجعل لرجل واحد قلبين؛ فكذلك لا يكون المظاهر من امرأته: لا تكون امرأته أمه في الحرمة، ولا يكون دَعِيُّ الرجل ابنه، يقول: نزلت في النبي وزيد بن حارثة، كان النبي تبناه، وكانوا يسمونه زيد بن مُحَمَّد، فجاء النهي عن ذلك؛ فقال: (وَمَا جَعَلَ أَدْعِيَاءَكُمْ أَبْنَاءَكُمْ)، إلى هذا يذهب عامة أهل التأويل.

وبعضهم يقول: تأويل قوله: (وَمَا جَعَلَ أَدْعِيَاءَكُمْ أَبْنَاءَكُمْ).

أي: لم يجعل للرجل نسبين ينسب إليهما.

وأصله عندنا: أن قوله: (مَا جَعَلَ اللَّهُ لِرَجُلٍ مِنْ قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ): ما ذكرنا، ولم يجعل أزواجكم اللائي تستمتعون بهن بالتشبيه بالأمهات كالأمهات، أي: لم يحل لكم ذلك ولم يبح ولم يشرع. (وَمَا جَعَلَ أَدْعِيَاءَكُمْ أَبْنَاءَكُمْ)، أي: لم يجعل سبب ذلك ولم يشرع، وإن كان قد يكون في النسب الفاسد، نحو الجارية بين اثنين إذا ولدت فادعياه جميعًا، ونحو النكاح الفاسد، والملك الفاسد، لم يجعل كذا، أي: لم يحل ولم يشرع؛ كقوله: (مَا جَعَلَ اللَّهُ مِنْ بَحِيرَةٍ)، أي: لم يشرع ولم يحل ذلك، وإن كان يكون لو فعلوا؛ فعلى ذلك قوله: (وَمَا جَعَلَ أَزْوَاجَكُمُ اللَّائِي تُظَاهِرُونَ مِنْهُنَّ أُمَّهَاتِكُمْ)، أي: لم يشرع ذلك السبب، ولم يحل ذلك في الإسلام ما كان في الجاهلية، لا أنه لا يكون ذلك فيما لم يشرع في الفاسد من السبب، على ما ذكرنا: أن النسب ثبت في النكاح الفاسد، وإن لم يشرع.

والحسن يقول في قوله: (مَا جَعَلَ اللَّهُ لِرَجُلٍ مِنْ قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ) قال: كان الرجل

<<  <  ج: ص:  >  >>