للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

يسلمون لا بصنع من اللَّه في ذلك؛ فعلى قولهم: كان من اللَّه سبب لزوم الإسلام، فأما في الإسلام نفسه فلا صنع له فيه، فإذا كان كذلك فلا منة تكون منه عليهم ولا إنعام.

والثاني: يقولون: أن ليس لله أن يفعل بالخلق إلا ما هو أصلح لهم في الدِّين، ولا شك أن الإسلام لهم أصلح؛ فعليه أن يفعل ذلك بهم، فهو فعل ما عليه أن يفعل، ولا يجوز أن يفعل غيره، ومن أدى حقا عليه لا يكون في فعله منعمًا ولا مفضلا؛ إنما هو مؤدي حق عليه.

والثالث: يقولون: أن ليس من اللَّه إلى الأنبياء والمؤمنين جميعًا شيء إلا وقد كان ذلك منه إلى إبليس وأتباعه وإلى جميع الفراعنة، فإذا كان قولهم ومذهبهم ما ذكرنا - لم يكن لله على أحد من أهل الإسلام في إسلامهم إنعام ولا إفضال، واللَّه أخبر أن له عليهم في ذلك نعمة ومنة، وكذلك فهم منه ذلك في قوله: (يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا. . .) إلى (بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلْإِيمَانِ).

وقوله: (أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَاتَّقِ اللَّهَ).

ذكر بعض أهل التأويل: أن رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - قد أبصر امرأة زيد فأعجبته وودَّها، ففهم زيد ذلك منه؛ فقال: يا رسول اللَّه، إني أريد أن أطلق فلانة، وإن فيها كبرا تتعاظم عليَّ وتؤذيني بكذا؛ فعند ذلك قال له النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ -: (أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَاتَّقِ اللَّهَ) في طلاقها، ولا تطلقها، لكن لا نقول نحن شيئًا من ذلك إلا بخبر ثبت من رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - يخبر أنه كان ذلك.

وجائز أن يكون زيد استأذن رسول اللَّه في طلاقها، على ما يطلق الرجل امرأته؛ لما يمل منها بلا سبب يكون؛ فقال له عند ذلك: (أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَاتَّقِ اللَّهَ)، ولا تطلق زوجك بلا سبب يستوجب به الطلاق؛ لأنه لا يسع للرجل أن يطلق زوجته بلا سبب يحمله على الطلاق من تضييع حدود اللَّه، وترك إقامتها، أو معنى نحوه، فأما بلا سبب يكون في ذلك فلا يسع.

أو أن يكون قوله: (أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ)، أي: تزوجها واتق اللَّه في ترك تزوجها؛ فيكون هو مأمورًا بنكاحها، كما كانت هي مأمورة بتزويجها نفسها منه، فيقول: اتق الله في ترك الأمر للنبي ذلك في ترك ما ندبت إليه وأمرت به، واللَّه أعلم.

وقوله: (وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ).

<<  <  ج: ص:  >  >>