للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

يحتمل هذا وجهين:

أحدهما: (إِنَّا أَحْلَلْنَا لَكَ أَزْوَاجَكَ اللَّاتِي آتَيْتَ أُجُورَهُنَّ)، أي: ضمنت أجورهن وقبلت؛ ويكون الإيتاء عبارة عن القبول والضمان؛ وذلك جائز نحو قوله: (فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ)، هو على القبول، تأويله: فإن تابوا وقبلوا إيتاء الزكاة؛ فخلوا سبيلهم، هو على القبول والضمان ليس على فعل الإيتاء نفسه؛ إذ لا يجب إلا بعد حولان الحول، وكذلك قوله: (قَاتِلُوا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ. . .)، إلى قوله: (حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ)، ليس على نفس الإعطاء؛ ولكن حتى يقبلوا الجزية؛ إذ الإعطاء إنما يجب إذا حال الحول؛ فعلى ذلك جائز أن يكون قوله: (آتَيْتَ أُجُورَهُنَّ)، أي: قبلت أجورهن وضمنت.

والثاني: (إِنَّا أَحْلَلْنَا لَكَ أَزْوَاجَكَ اللَّاتِي) هن لك إذا (آتَيْتَ أُجُورَهُنَّ)، أي: قبلت؛ معناه: إنا أحللنا لك إبقاءهن إذا آتيت أجورهن.

وفيه دلالة: أن المهر قد يسمى أجرًا؛ فيكون قوله: (فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ)، أي: مهورهن؛ فيكون الاستمتاع بهن استمتاعًا في النكاح؛ فعلى ذلك يجوز أن يكون قوله: (وَامْرَأَةً مُؤْمِنَةً إِنْ وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ إِنْ أَرَادَ النَّبِيُّ أَنْ يَسْتَنْكِحَهَا خَالِصَةً لَكَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ)؛ فيكون الخلوص له بلا أجر لا بلفظة " الهبة "؛ لأنه ذكر على أثر ذكر حل أزواجه بالأجر؛ كأنه قال: إنا أحللنا لك أزواجك اللاتي آتيت أجورهن، وأحللنا لك -أيضًا- امرأة مؤمنة إن وهبت نفسها بلا أجر خالصة لك من دون المؤمنين بغير أجر؛ لأن خلوص الشيء إنما يكون إذا خلص له بلا بدل ولا مؤنة، فأما أن يكون الخلوص بلفظة دون لفظة فلا.

وبعد فإنه قد ذكر في آخر الآية ما يدل على ما ذكرنا؛ وهو قوله: (قَدْ عَلِمْنَا مَا فَرَضْنَا عَلَيْهِمْ فِي أَزْوَاجِهِمْ)؛ دل هذا أن خلوص تلك المرأة له بـ " قد. . . "؛ فإن ذكر هذا له خرج مخرج الامتنان عليه؛ فلا منة له عليه في لفظة " الهبة "، ليست تلك في لفظة " التزويج "، يقول مكان قوله: (وَهَبَتْ): " زوجت "؛ دل أن المنة له عليه فيما صارت له بلا مهر، لا في لفظة " الهبة ".

أو أن يكون قوله: (خَالِصَةً لَكَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ) في الآخرة، أي: لا تحل لأحد سواك إذا تزوجتها وصارت من أزواجك، فأما أن يفهم من قوله (خَالِصَةً لَكَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ) بلفظة " الهبة " فلا؛ إذ لا فرق بين أن تقول: " وهبت "، وببن أن تقول: " زوجت ".

<<  <  ج: ص:  >  >>