أنزل اللَّه - تعالى - الآية، وأمر أن يقول لهم ما ذكر قال لهم، وأخبرهم بذلك؛ فلم يستح عند ذلك؛ لما صار ذلك من حق الذين فرضا عليه لازما أن يعلمهم الآداب، ويخبر عما يلزمهم من حق الدِّين، وكان قبل ذلك في حق الملك وحق النفس، فلما أنزل اللَّه الآية، وأمر بذلك صار من حق الدِّين؛ لذلك كان ما ذكر، واللَّه أعلم.
وقوله:(وَاللَّهُ لَا يَسْتَحْيِي مِنَ الْحَقِّ)، أي: لا يدع ولا يترك أن يعلمهم الحق والأدب، وقد ذكرنا معناه في قوله:(إِنَّ اللَّهَ لَا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلًا. . .) الآية. وقوله:(وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ).
جائز أن يكون المعنى الذي يكون أطهر لقلوب الرجال غير المعنى الذي يكون أطهر لقلوبهن: ذلك المعنى الذي يكون أطهر لقلوبهم: من الفجور والهم لقضاء الشهوة، وما تدعوه النفس إليه، (أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ): من العداوة والضغينة، لا الفجور وقضاء الشهوة؛ وذلك أنهن قد عرفن أنهن لا يحللن لغيره نكاحًا؛ لما اخترنه والدار الآخرة على الدنيا وزينتها، وقد أوعدن بارتكاب الفاحشة العذاب ضعفين، على ما ذكر، وذلك يمنعهن ويزجرهن عن ارتكاب ذلك فإذا كان كذلك، فإذا عرفن من الداخلين عليهن والناظرين إليهن نظر الشهوة وقع في قلوبهن لهم العداوة والضغينة؛ فيقول: السؤال من وراء الحجاب أطهر لقلوبكم من الفجور والريبة وأطهر لقلوبهن من العداوة والضغينة، واللَّه أعلم.
وجائز أن يكون ذلك واحدًا، وهو الريبة والفجور؛ لما مكن فيهن من الشهوات، وركب فيهن من فضل الدواعي إلى ذلك، واللَّه أعلم.
قال بعض أهل الْأويل: إن أنساء، الرسول لما احتجبن بعد نزول آية الحجاب، ونهوا عن الدخول عليهن والنظر إليهن - قال رجل: أننهى أن ندخل على بنات عمنا وبنات عماتنا وبنات خالنا وخالاتنا؛ أما - واللَّه - لئن مات لأتزوجن فلانة - ذكر امرأة من نسائه - فنزل (وَمَا كَانَ) أي: لا يحل (لَكُمْ أَنْ تُؤْذُوا رَسُولَ اللَّهِ وَلَا أَنْ تَنْكِحُوا أَزْوَاجَهُ مِنْ بَعْدِهِ أَبَدًا)، لكن هذا قبيح؛ لا يحتمل أن أحدا من الصحابة يقول ذلك، أو واحدًا ممن صفا إيمانه به وحسن إسلامه، أن يخطر بباله ذلك إلا أن يكون منافقًا.