وكذا، ونحوه، ولكن إن كان على حقيقة العرض فهو على التخيير الذي ذكرنا، (وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ)، فكان له الثواب إن قام بها، وعليه العقاب إن لم يقم.
وقَالَ بَعْضُهُمْ: قوله: (إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ)، أي: عرض على أهل السماوات وأهل الأرض وأهل الجبال، فلم يحملوها، إلا الإنسان منهم فإنه حملها.
وقَالَ بَعْضُهُمْ:(إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا)، أي: أبين أن يعصين اللَّه وأشفقن منه! أي: لم يعصوا قط (وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ) أي: عصى الإنسان ربه؛ فيجعل الحمل كناية عن العصيان والوزر، يقول: لأنه ما ذكر في القرآن الحمل إلا في الوزر والخطايا؛ كقوله:(وَلْنَحْمِلْ خَطَايَاكُمْ وَمَا هُمْ بِحَامِلِينَ مِنْ خَطَايَاهُمْ مِنْ شَيْءٍ)، وقوله:(وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقَالَهُمْ وَأَثْقَالًا مَعَ أَثْقَالِهِمْ)، وقوله:(لِيَحْمِلُوا أَوْزَارَهُمْ كَامِلَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ)، وقوله:(وَوَضَعْنَا عَنْكَ وِزْرَكَ. الَّذِي أَنْقَضَ ظَهْرَكَ)، ونحوه كثير.
وقوله:(إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا) إلى أي تأويل من هذه التأويلات التي ذكرنا صرف هذا إليه - استقام، واللَّه أعلم.
وعن ابن عَبَّاسٍ - رضي اللَّه عنهما - قال:(الْأَمَانَةَ): العبادة: قال اللَّه - تعالى - للسماوات والأرض والجبال: تأخذن العبادة بما فيها، قلن: يا رب، وما فيها؟ قال: إن أحسنتن جزيتن، وإن أسأتن عوقبتن، (فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا)، أي: خفن، وعرضت على الإنسان فقبلها، وهو قول اللَّه لبني آدم:(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ)، أما خيانتهم اللَّه ورسوله فمعصيتهما، وأمَّا خيانة الأمانة فتركهم ما افترض اللَّه عليهم من العبادة.
وقتادة: يقول: أما واللَّه ما بهن معصية، ولكن قيل لهنَّ: أتحملنها وتؤدين حقها؟ قلن: لا نطيق ذلك، فقيل للإنسان - وهو آدم -: أتحملها وتؤدي حقها؟ قال: نعم (إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا) عن حقها.