للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وأنهم دعوهم إلى التوحيد والإيمان، لكنهم كذبوهم وكفروا بما دعوهم إليه، فذلك نصره إياهم في الدنيا والآخرة، واللَّه أعلم. والثاني: ينصرهم؛ لما يجعل لهم العواقب وآخر الأمر وإن كان في الابتداء قد يكون عليهم، وعلى ذلك لم يذكر عن أحد من الرسل إلا وقد كان عاقبة الأمر له؛ وهو كقوله - تعالى -: (وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ)؛ فهذا النصر هو النصر في الأبدان والأول هو نصر في الدِّين، ولكن إن كان هو نصرا في الأبدان فهو نصر يرجع إلى الدِّين؛ لما يقوم الدِّين بسلامة الأبدان، ويتحقق به عز المسلمين، واللَّه الموفق.

والثالث: ذكر نصرهم؛ لما أعطاهم من النعمة في الدنيا والسعة فيها، وهو يذكر للرسل والمؤمنين نصرا ونعمة ومعونة، أما هي للكفرة فتنة ومحنة لا غير لا تذكر باسم النصر والنعمة؛ إذ هي في حق المسلمين وسيلة إلى النعمة الأبدية، وفي حق الكفرة إلى العذاب الأبدي، فتكون نعمة في حقهم حقيقة؛ ولذلك قال تعالى: (الم. أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ)، وقال؛ (بَل هِيَ فِتْنَةٌ)، وقوله: (نُسَارِعُ لَهُمْ فِي الْخَيْرَاتِ بَلْ لَا يَشْعُرُونَ)، وقد أخبر أن ما أعطاهم من الأموال والسعة إنما هي فتنة ومحنة لهم، واللَّه أعلم.

فَإِنْ قِيلَ: ذكر أنه ينصرهم، وقد نرى مؤمنًا قد ينقطع حججه ويعجز عن إقامتها ونراه مغلوبًا، والكافر هو الغالب؟!

قيل: عن هذا جوابان:

أحدهما: من جعل العاقبة له والغلبة والنصر في آخر الأمر.

والثاني: جائز أن يكون وعده النصر لهم والظفر بالحجة بالشريطة، وهي القيام بوفاء ما لله عليهم من الحق في ذلك، فالنصر والظفر بالحجة في المناظرة أن يكون يزجي عمره في معرفة الحجج والدلائل وأن يكون عارفًا بطرق النظر، ومتى كان هذا الشرط موجودًا يكون النصر له لا محالة، وشرط الظفر في المحاربة أن يكونوا قاصدين إعزاز دين اللَّه تعالى، دون ابتغاء الدنيا وكلمتهم واحدة ونحوها، ومتى كان المحاربة بشرائطها يكون الظفر لا محالة للمسلمين؛ وذلك كقوله تعالى: (وَأَوْفُوا بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ)، واللَّه أعلم.

وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ).

قَالَ بَعْضُهُمْ: الأشهاد: هم الملائكة يكتبون أعمال بني آدم، يشهدون عليهم بما

<<  <  ج: ص:  >  >>