روحًا؛ لأنه يحيي به أن دين، وتكون به حياة الدِّين، ويحيي به الأبدان، وهو حياة الذكر والشرف، وهو كقوله:(وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ).، حياة الذكر والشرف، واللَّه أعلم.
وقوله:(مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ) أمَّا الكتاب فإنه لا شك أنه كان لا يدريه ولا يعلمه حتى أدراه وأعلمه، وأمَّا الإيمان حيث أخبر أنه لا يدريه فهو يحتمل وجوهًا:
أحدها: ما كنت تدري ما الإيمان؟ في حق اللسان.
أو ما كنت تدري ما الإيمان؟ في حق الإيمان.
أو ما كنت تدري ما الإيمان؟ في حق قدره ومحله ومنزلته عند اللَّه تعالى.
فإن كان المراد في حق اللسان، فهو ظاهر أنه كان لا يدري في حق ابتداء الأمر أن الإيمان هو التصديق أو التوحيد، أو ما هو؟ وهو معروف أنه كان لا يدريه في حق اللسان حتى أدراه وأعلمه أنه ماذا؟ وكذلك جميع أهل اللسان، لا علم لهم بذلك حتى علمهم رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - فنزل جبريل، وسأل النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ -: ما الإيمان؟ وما الإسلام؟ على صورة أعرابي حتى قال النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ -: " إن هذا كان جبريل نزل ليعلمكم معالم دينكم "، والله أعلم.
وإن كان في حق فعل الإيمان ومباشرة ركنه، فهو إذن كان غير قادر على فعله وإتيانه على هذه وكان لا يدري، لكنه لا يدريه فإنه لا يوصف بالجهل به؛ ألا ترى أن الصغار لا يدرون، ولا يقال: إنهم جهلة، وإنَّمَا يوصف بالجهل من ملك الفكرة والنظر وأسباب العلم ثم ترك ذلك، فعند ذلك يوصف بالجهل، فأما من لم يملك ذلك ولم يبلغ هذا المبلغ فإنه لا يوصف بالجهل؛ ألا ترى أنه يقال للأعراض والأشياء: إنها لا تدري ولا توصف بالجهل؛ فعلى ذلك يجوز أن يوصف ويقال: إنه كان لا يدري، ولا يوصف ولا يقال: إنه كان جاهلا به، واللَّه أعلم.
ألا ترى أن الولد في البطن لا يوصف بأن له سمعًا وبصرًا ونحوه؛ لأنه ليس بمحل للسماع والبصر، فإذا أخرج منه عند ذلك يجعل له لما مكن من السماع والبصر، وهو ما ذكر بقوله:(وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لَا تَعْلَمُونَ شَيْئًا وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ)، عندما مكن لهم ذلك.
وإن كان المراد: أنه لا يدري في حق المحل والمنزلة والقدر، فهو هكذا كان لا يدري