أحدهما: تدمر كل شيء أرسلت وأمرت بتدميره، لا تجاوز أمر ربها، ولا تدمر ما لم ترسل ولم تؤمر بتدميره؛ كقوله - تعالى -: (وَفِي عَادٍ إِذْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ الرِّيحَ الْعَقِيمَ (٤١) مَا تَذَرُ مِنْ شَيْءٍ أَتَتْ عَلَيْهِ إِلَّا جَعَلَتْهُ كَالرَّمِيمِ) هذه الآية تفسر قوله: (تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ) أتت عليه وأمرت بتدميره، فأما ما لم تؤمر بتدميره فلا؛ على ما ذكر في تلك الآية، واللَّه أعلم.
والثاني:(تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ) أي: عند من عاينها وتأملها عنده أنها تدمر كل شيء، لا تبقي شيئًا على وجه الأرض؛ لشدتها وقوتها، لكنها لا تجاوز أمر ربها؛ ألا ترى أنها لا تدمر هودًا وأتباعه، وهم فيهم وبقرب منهم، وهو كقوله - تعالى -: (وَيَأْتِيهِ الْمَوْتُ مِنْ كُلِّ مَكَانٍ وَمَا هُوَ بِمَيِّتٍ) أي: يأتيه أسباب الموت وما به يموت لو كان فيه أمر الموت، فعلى ذلك قوله - تعالى -: (تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ) أي: تدمر كل شيء عند من عاينها ونظر في أحوالها وأهوالها أن لو كان لها أمر بذلك، لكنها لم تجاوز أمر ربها؛ ألا ترى أنه قال في آية أخرى:(فَأَصْبَحُوا لَا يُرَى إِلَّا مَسَاكِنُهُمْ) في ظاهر هذه الآية أنها قد أبقت مساكنهم ولم تدمرها، وكذلك قال في آية أخرى:(تَنْزِعُ النَّاسَ كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ مُنْقَعِرٍ) قَالَ بَعْضُهُمْ: إنهم لما التجئوا إلى مساكنهم وهربوا منها كانت تدخل الريح مساكنهم وتخرجهم منها فتلقيهم في صحاريهم وأفنيتهم موتى.
وقَالَ بَعْضُهُمْ: تنزع مفاصلهم، وتقطعها، ثم تلقيهم في أفنيتهم؛ على ما وصف، وشبههم بأعجاز نخل منقعر، فالريح التي تعمل في إخراج أهلها من مساكنهم وإبقائهم في الفيافي، لأن تعمل في هدم المساكن والمنازل أولى، وكذلك إذا عملت في نزع المفاصل وقطعها ففي نقض البنيان والمساكن أولى، ومع ذلك لم تعمل في هدم مساكنهم؛ فدل ما ذكرنا أنها لم تجاوز أمر ربها في الإهلاك، واللَّه أعلم.
أحدهما: أي: لم تترك الريح من عاد ومما لهم إلا مساكنهم التي ذكر.
والثاني:(لَا يُرَى إِلَّا مَسَاكِنُهُمْ) إلا آثار مساكنهم.
فعلى أحد التأويلين تركت لهم المساكن، لم تهلكها، وعلى التأويل الآخر: تركت آثار مساكنهم، فأما نفس مساكنهم فقد أهلكتها.
وهذان التأويلان خرجا على ما ذكرنا من التأويلين في قوله - تعالى -: (تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ بِأَمْرِ رَبِّهَا)، فالأول على التأويل الأول في قوله:(تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ) أرسلت وأمرت