مثل تلك التوبة من المسلم الذي نشأَ على الإسلام، حيث أَوعدهم فرعون بقطع الأَيدي والأَرجل، والصلب، وأنواع العذاب، فقالوا: (لَا ضَيْرَ إِنَّا إِلَى رَبِّنَا مُنْقَلِبُونَ).
وذكر عن أبي حنيفة - رحمه اللَّه - في الساحرة: أَنها لا تقتل مرةً، وذكر عنه مرةً: أنها تقتل، وقال في الساحر بالقولين.
فأَما ما رُويَ عنه فيه بالقتل بعمل السحر، فهو على ما ذكرنا من قتله الناس بالسحر؛ فهو كالساعي في الأَرض بالفساد، لا بِعَين السحر.
أَو كفر بسحره بعد الإسلام؛ فيقتل كالمرتد عن الإسلام.
وما ذكر عنه: أَنه لا يُقْتل؛ فهو إذا لم يكن سحره سحرَ كفرٍ، ولا يسعى بالقتل في الأَرض لم يقتل به.
ثم قوله - في الساعي في الأَرض بالفساد: إنه إذا تاب قبل أن يُقدر عليه، سقط عنه القتل؛ فكذا الساحر.
وأما الذي هو لأجل الكفر يلزم القتل قبل التوبة، بعد القدرة عليه.
وعلى هذا يخرج قوله في الساحرة أَيضًا.
ففيما قال: إنها لا تقتل؛ لما كان سحرها سحر كفر، والنساءُ لا يُقتلن للكفر.
وفيما قال: يقتلن؛ فلأَنهن يقتلن للسعي في الأَرض بالفساد كالرجل، واللَّه أعلم.
وقال بعض الناس: لا تقبل توبة الساحر. وهو غلط.
وأَحقُّ من يقبل توبتُه الساحرُ؛ إذ هو أَبلغ في تمييز ما هو حجة مما لا حجة.
وهذا هو الأَصل: أَن الْمُدَّعِيَ لشيء -على عهد الأنبياءِ- إذا استقبلهم بمثله الأَنبياء - عليهم السلام - فهو أَحق من يلزمهم الإيمان به؛ لعلمهم بالحق منه.
والعوَامُّ منهم لا يعرفون إلا ظاهر ما يلزمهم، من تصديق الحجج، واللَّه أعلم.
وقوله: (وَيَتَعَلَّمُونَ مَا يَضُرُّهُمْ) -في الدنيا- (وَلَا يَنْفَعُهُمْ) في آخرتهم.
وقوله: (وَلَقَدْ عَلِمُوا).
يعني: اليهود في التوراة.
وقوله: (لَمَنِ اشْتَرَاهُ).
يعني: اختاره للسحر.
وقيل: يتعلمون ما يضرهم في آخرتهم، ولا ينفعهم إن علموه.