للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

(وَمَا نَزَلَ) قرئ مخففا ومثقلا، فمن شدد شدد لما سبق من ذكر اللَّه تعالى، ومن خفف، جعل الفعل للحق.

ثم الآية تحتمل وجوها:

أحدها: ما قال بعض أهل التأويل: إنها نزلت في المنافقين الذين أظهروا الإيمان، وأضمروا الكفر، (أَلَمْ يَأْنِ)، أي: قد أنى للذين آمنوا ظاهرًا وأظهروا الموافقة للمؤمنين (أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ)، أي: إذا ذكر اللَّه (وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ)، أي: القرآن إذا يتلى عليهم، أي: يرق قلوبهم وتؤمن به؛ لأنهم كانوا يتربصون برسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - والدوائر، ويطمعون هلاكه، أمّن اللَّه تعالى المؤمنين من ذلك الخوف وآيس أُولَئِكَ عما تربصوا فيه من نزول الدوائر، فقال: (أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا) ظاهرًا (أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ) والقرآن، وترق لذلك، وتؤمن به، واللَّه أعلم.

ثم قوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَلَا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ).

على هذا التأويل: أي: لا تكونوا كأُولَئِكَ الذين تمادوا في الضلال وقساوة القلوب؛ لما طال عليهم الوقت، وتركوا النظر في الكتب.

ويحتمل أن يكون الآية في أهل الكتاب الذين كانوا مؤمنين برسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - قبل أن يبعث فيقول: (أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا) به من قبل أن يبعث (أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ) أي كتابهم (وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ) وهو القرآن أن يؤمنوا به، كما كانوا آمنوا به لما وجدوا نعته في كتابهم.

ثم قوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَلَا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلُ. . .) الآية.

أي: لا تكونوا كالذين كانوا من قبلكم من أهل الكتاب، (فَطَالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ) أي: طال عليهم أن ينظروا في كتبهم؛ (فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ) بطول ترك نظرهم فيها، واللَّه أعلم.

ويحتمل أن تكون الآية في المؤمنين الذين حققوا الإيمان باللَّه ورسوله، وهو يخرج على وجهين:

أحدهما: (أَلَمْ يَأْنِ)، أي: قد أنى للذين آمنوا أن تخشع قلوبهم عند ذكر اللَّه بالنظر والتأمل في ذلك؛ فيحملهم ذلك على خشوع قلوبهم عند ذكر اللَّه، ويزداد لهم الإيمان واليقين؛ للنظر فيه والتفكر، وفهم ما فيه، واللَّه أعلم.

والثاني: (أَلَمْ يَأْنِ)، أي: قد أنى للذين آمنوا أن تقطع شهواتهم وأمانيهم في الدنيا، وتخشع قلوبهم لذكر اللَّه، (وَلَا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ)، أي: لا تغفلوا عن كتاب الله وذكره ولا تتركوا النظر فيه والتفكر، كالذين غفلوا عما فيه؛ فقست قلوبهم فلا تكونوا

<<  <  ج: ص:  >  >>