للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فقَالَ بَعْضُهُمْ: إن موسى - عليه السلام - كان لا يكشف عن نفسه؛ فأذوه بأن قالوا: إن في بدنه آفة ومكروها.

وقَالَ بَعْضُهُمْ: إن موسى - عليه السلام - ذهب مع هارون - عليه السلام - إلى جبل، فقبض هارون في ذلك الجبل، فآذوه بأن قالوا: قتل موسى أخاه.

ومنهم من قال: كانوا يؤذونه بألسنتهم حيث قالوا: (أَرِنَا اللَّهَ جَهْرَةً)، وبقولهم: (اجْعَلْ لَنَا إِلَهًا كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ)، وبقولهم: (لَنْ نَصْبِرَ عَلَى طَعَامٍ وَاحِدٍ)؛ ولكن الوجه أن لا يشار إلى شيء بعينه.

فإن كان التأويل هو الوجه الأول: أنهم آذوه من غير أن يعلموا أن ذلك يؤذيه أن لا يصرف إليه شيء من هذه الأوجه الثلاثة، وإن كان على الوجه الثاني فكذلك، وإن كان على الوجه الثالث جاز أن يصرف إليه أي الوجوه منها، واللَّه أعلم.

ثم حق هذه في رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - يخرج على وجهين:

أحدهما: أنه يجوز أن يكون بنو إسرائيل آذوا رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - فذكره اللَّه تعالى أمر موسى - عليه السلام - وإيذاءهم إياه؛ ليكون فيه تصبير لرسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ -، وتسكين لقلبه.

أو يجوز أن يكون هذا تحذيرًا لأصحابه عن أن يرتكبوا ما يخاف أن يكون فيه أذاه - عليه السلام - واللَّه أعلم.

وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ) له معنيان:

أحدهما: أن يقول: (أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ)، يعني: خلق فعل الزيغ في قلوبهم يعني: خذلهم اللَّه، ووكلهم إلى أنفسهم.

قالت المعتزلة محتجين علينا: إن اللَّه تعالى قال: (وَمَا يُضِلُّ بِهِ إِلَّا الْفَاسِقِينَ)، ذكر أنه إنما يضله بعدما فسق، وأنتم تقولون: إنه يضله وهو يهدي؟

قلنا: إن هذا تمويه علينا، وذلك أنا نقول: إن اللَّه تعالى يضله لوقت اختياره الضلال، ويزيغه لوقت اختياره الزيغ، وإذا كان كذلك، لم يلزم ما قالت المعتزلة، مع أنهم يقولون: إن اللَّه تعالى يضله بعد ضلالته بنفسه؛ عقوبة له، ويريد له هدى بعد اهتدائه ثوابا له.

ولا يستقيم كذلك؛ لأنا قد نراه في الشاهد يكفر بعد إيمان ويؤمن بعد كفره، وإذا كفر بعدما كان مؤمنا، وذلك وقت يريده اللَّه تعالى هُدِي؛ ثوابا لإيمانه المتقدم؛ فإذا كفر فكأن هداية اللَّه تعالى كانت سببًا لكفره، أو إذا آمن بعدما كان كافرا وقت عقوبته بالكفر؛ فكأن عقوبة اللَّه تعالى بالكفر على الكفر المتقدم كان سببا للإيمان، وهذا كلام مستقبح.

وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ).

<<  <  ج: ص:  >  >>