(وَأَقْرِضُوا اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا)، وقد وصفنا في ذلك أن اللَّه تعالى جعل ما يصلون به أرحامهم ويتصدقون على فقرائهم كأنهم أقرضوا اللَّه؛ كرمًا منه وفضلا ولطفا، فكذلك يحتمل أن يكون جعل ما ينصرون به دينه أو رسوله نصرا له تعالى.
وكذلك قوله:(إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ)، والمعنى في هذا: إن تنصروا دين اللَّه ينصركم، أو إن تنصروا رسول اللَّه أو تنصروا الحق، واللَّه أعلم أي ذلك كان.
ويحتمل أن يكون المراد من ذلك كله، أي: اجعلوا ما تنصرون به دينكم لله تعالى ولوجهه. وكذلك قوله:(وَأَقْرِضُوا اللَّهَ)، تعالى: اجعلوا ذلك لله ولوجهه الكريم، ولا بد من أن يكون في هذه الآية إضمار: إما في الابتداء أو في الانتهاء حتى تستقيم عليه.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (كَمَا قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ لِلْحَوَارِيِّينَ) فكأنه يقول: قل للذين آمنوا: كونوا أنصار اللَّه كما قال عيسى ابن مريم للحواريين: من أنصاري إلى اللَّه؟
أو يكون معناه وإضماره في حق الإجابة، أي: أجيبوا لله ورسوله وكونوا أنصارا له كما أجاب قوم عيسى بقولهم: (نَحْنُ أَنْصَارُ اللَّهِ). والحواريون: المتبصرون المنقون دينهم عن الشبهة، وهم قوم كانوا خيرة عيسى - عليه السلام - وخاصته حيث دعاهم إلى دينه فأجابوه وآمنوا به، ونقوا دينهم عن كل شبهة وآفة وعيب.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (فَآمَنَتْ طَائِفَةٌ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَكَفَرَتْ طَائِفَةٌ) هذا يحتمل أن يكون في حياة عيسى - عليه السلام - حين اتبعه الحواريون ثم دعا بعد ذلك قومه إلى دينه فآمنت طائفة وكفرت طائفة، (فَأَيَّدْنَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَى عَدُوِّهِمْ) بالبراهين والحجج على الطائفة الذين كفروا؛ (فَأَصْبَحُوا ظَاهِرِينَ) على أعدائهم بالحجج والبراهين.
ويجوز أن يكون بعد وفاة عيسى - عليه السلام - حين اختلفوا في ماهيته: فمنهم من قال: هو اللَّه، ومنهم من قال: هو ابن اللَّه؛ فكفرت به هذه الطائفة وآمنت به طائفة أخرى، فأيدنا الذين آمنوا على عدوهم حين وقع لهم قتال؛ فنصروا عليهم وظفروا، والله أعلم.
تمت السورة بحمد اللَّه وحسن توفيقه، وصلى اللَّه على سيدنا مُحَمَّد وآله وصحيه أجمعين.