للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

رسول اللَّه هو الأعز، فبلغ ذلك رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - فأمره أن يخلي عن أبيه، ثم قال له: " إنك أولى أن تسمى: عبد اللَّه بن أبيك "، فسمى من بعد ذلك: عبد اللَّه، وكان يسمى حبابًا.

فهذان الخبران يدلان على أن هذه الآية إنما نزلت في واحد منهم، وظاهرها يدل على أن ذلك كان في جملة المنافقين.

ولكن الوجه في ذلك عندنا - واللَّه أعلم - أنه يجوز أن يكون اعتقاد جملتهم على ذلك، فذكرهم اللَّه تعالى؛ لاعتقادهم عليه، وذلك أنهم كانوا أقوامًا لا يؤمنون بالآخرة.

والاستغفار إنما هو طلب المغفرة، وذلك إنما يتحقق في الآخرة، فإذا كان على هذا أصل اعتقادهم جملة ذكرهم اللَّه تعالى على ذلك؛ وكذلك قوله: (لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَّ) كان عندهم أن اللَّه تعالى إنما آتاهم العز والغناء والشرف؛ لفضيلة لهم على مُحَمَّد - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ -؛ فكانوا ينكرون عليه من ذلك الوجه، ثم إن اللَّه قد ذكر في هذه الآية أنباء أنه قد كان آتاهم جميع ما به العز والشرف في الدنيا؛ ليمتحنهم بحقوق هذه النعم وتعظيمها وشكرها، وأنهم بلغوا في كل ذلك غاية ما عليه عمل الكفرة في سوء الصحبة بالنعم، وذلك أنه لما قال: (وَإِذَا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسَامُهُمْ وَإِنْ يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ)، دل أنه كان آتاهم حسن الصورة وحسن البيان، ولما قال: (هُمُ الَّذِينَ يَقُولُونَ لَا تُنْفِقُوا عَلَى مَنْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ حَتَّى يَنْفَضُّوا)؛ دل أنه قد كان آتاهم الغناء، ولما قال: (لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَّ) دل أنه قد كان آتاهم العز والشرف، ومعلوم أن هذه الأسباب التي وصفنا هي أسباب العز والشرف في الظاهر، ثم أخبر أنهم تركوا شكر ما أنعم عليهم في تعظيم الحق ولم يؤدوا شكره، وأنهم بلغوا في الباطن في كل شيء من ذلك غايته في سوء الصنع؛ لأنه دل بقوله تعالى: (هُمُ الَّذِينَ يَقُولُونَ لَا تُنْفِقُوا) على غاية البخل؛ حيث امتنع عن الإنفاق بنفسه، وأمر غيره ألا ينفق أيضًا وذلك في غاية البخل، ولما قال: (كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُسَنَّدَةٌ)، فكأنهم كانوا في الغفلة عن ذكر اللَّه وقبول الموعظة غايته، ولما قال: (وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا يَسْتَغْفِرْ لَكُمْ رَسُولُ اللَّهِ لَوَّوْا رُءُوسَهُمْ) دل أنهم كانوا في الاستخفاف به -حيث تركوا الإنصاف، وأخذوا سبيل الاعتساف والاستكبار عليه- غايته، ولما قال: (يَحْذَرُ الْمُنَافِقُونَ أَنْ تُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ سُورَةٌ تُنَبِّئُهُمْ بِمَا فِي قُلُوبِهِمْ) دل أنهم كانوا في سوء السريرة غايته.

قال: ويجوز أن يقع ذلك منهم لوجهين:

<<  <  ج: ص:  >  >>