الطاقة والاستطاعة، لكنه إن كان فوجهه: أن (اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ)، وإن هلكت فيه طاقتكم؛ لأنهم أمروا بتقوى تهلك به طاقتهم على ما قال:(وَلَوْ أَنَّا كَتَبْنَا عَلَيْهِمْ أَنِ اقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ أَوِ اخْرُجُوا مِنْ دِيَارِكُمْ)، ولو كتب عليهم أن يقتلوا أنفسهم جاز ولكنه تهلك طاقتهم فيه، فكذلك الأول، ثم قال:(فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ) تخفيفا عليهم وتيسيرا واللَّه أعلم.
ولكن الكلام في أن كيف قال:(فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ) ولم نكن نتقي لولا هذه الآية إلا ما استطعنا، ولكن معناه - واللَّه أعلم -: على جهة البشارة: أنكم إذا قصدتم قصد التقوى، آتاكم اللَّه - تعالى - الاستطاعة في تقواه، وهو كقوله تعالى:(وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا)، وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى (٥) وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى (٦) فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى (٧) وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى).
وهذه الآية على المعتزلة؛ لأنهم يقولون: إن الاستطاعة تتقدم الفعل، وهي تزول عن الفاعل وتقدم عند الفعل، ولو كان كذلك كان يجعل قوله:(فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ) واستطاعة زالت عنهم، وكذلك قوله:(فَخُذهَا بِقُوَّةٍ)، وكذلك قوله:(خُذُوا مَا آتَيْنَاكُمْ بِقُوَّةٍ)، زالت عنهم هذا مستحيل، والذي يؤيد قولنا قول اللَّه جل ثناؤه:(فَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِينًا)، والحاجة إلى هذه الاستطاعة تقع عند أداء البدل عن الأصل، فأما قبل ذلك إن كان مستطيعا أو غير مستطيع فهو سواء.
قوله تعالى:(وَاسْمَعُوا وَأَطِيعُوا).
أي: اسمعوا إلى ما أمركم اللَّه تعالى به ورسوله.
أو يكون قوله:(وَاسْمَعُوا) بمعنى: أجيبوا لما أمركم اللَّه به، وإلى ما دعاكم الله ورسوله؛ كقوله:" سمع اللَّه لمن حمده "، أي أجابه.
وقوله - تعالى -: (وَأَنْفِقُوا خَيْرًا لِأَنْفُسِكُمْ).
أي: وأنفقوا مما رزقناكم خيرا لكم من أن تدعوا الإجابة لما أمركم والإنفاق مما رزقكم.