(مُبَيِّنَةٍ) قرئا جميعًا: فمنهم من حمل الاستثناء بقوله: (إِلَّا) على قوله: (لَا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ)، وصرفه إليه.
ومنهم من صرفه إلى قوله:(وَلَا يَخْرُجْنَ) ولكل من ذلك وجهان:
فأما من حمله على قوله:(لَا تُخْرِجُوهُنَّ) فإنه جعله استثناءً، وللاستثناء وجهان:
أحدهما: لا تخرجوهن إلا أن يأتين بفاحشة مبينة أي: بزنى يزنين، فتخرجوهن؛ لإقامة الحد عليهن.
أو لا تخرجوهن إلا أن يظهر منهن بذاءة اللسان على أهل أزواجهن فتخرجوهن؛ لمكان البذاءة التي في لسانهن.
ومن حمله على قوله:(وَلَا يَخْرُجْنَ)؛ فإنه يجعل معنى قوله:(إِلَّا) على معنى: لكن؛ كما قيل في قوله تعالى:(لَا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْوًا إِلَّا سَلَامًا)، أي: لا يسمعون فيها لغوا، ولكن سلاما، إذ لا يحتمل استثناء السلام من اللغو؛ لما ليس في جملة اللغو سلام؛ فيستثنى منه فكذلك قوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَلَا يَخْرُجْنَ إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ) فكأنه قال: لا يخرجن، ولكن إذا خرجن فخروجهن فاحشة، ويدل هذا على أن النهي لنفس الخروج، لا للانتقال.
ووجه آخر في ذلك، وهو: ألا يخرجن إلا أن يأتين بفاحشة، فإنهن إذا خرجن، خشي عليهن أن يأتين بفاحشة مبينة كما روي عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - أنه قال:" أيما عبد تزوج بغير إذن مولاه فهو عاهر "، وكان المعنى من ذلك: أنه إذا تزوج فوطئ فهو عاهر، ولكن نهي عن النكاح؛ لأنه يخشى عليه في النكاح أن يطأها فيصير عاهرا، لا أن يكون نفس التزوج منه زنى، فكذلك (وَلَا يَخْرُجْنَ إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ) فيكون النهي لا عن نفس الخروج، ولكن لكونه سببا للفاحشة في الجملة، وطريقا إليها.