حيث أضافها إلى نفسه هو أنه لا بد في الشهادة من نفع يقع لأحد الخصمين، وضرر يرجع إلى الآخر، فكأنه قال: لا ينظر بعضكم إلى رضا من تنفعه الشهادة وإلى سخط من تضره، ولكن اجعلوها لله تعالى.
الموعظة وإن كانت لمن يؤمن ولمن لا يؤمن، فالمعنى في هذا: ذلكم يتعظ بما يوعظ به من كان يؤمن باللَّه واليوم الآخر كما كان المعنى من قوله: (إِنَّمَا تُنْذِرُ مَنِ اتَّبَعَ الذِّكْرَ)، أي: إنما ينتفع بالإنذار من يتبع الذكر، وكما كان في قوله:(يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلَاوَتِهِ أُولَئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ)، أي: ينتفعون بتلاوته فكذلك الأول، واللَّه أعلم.
وقوله:(يُوعَظُ بِهِ).
أي: بما أمر فيما تقدم من الآيات من الطلاق للعدة، والنهي عن إخراجهن من البيوت والإنفاق عليهن، ونحوه إنما يوعظ به -أي: يأخذ بما أمر به، ونهي عنه في هذه الآيات- من كان يؤمن باللَّه واليوم الآخر، واللَّه أعلم.
قد بينا أن التقوى إذا ذكر مفردًا انتظم الأوامر والنواهي، وإذا ذكر معه البر والإحسان، صرف التقوى إلى معنى، والبر إلى معنى، وذكر في هذا الموضع مفردا؛ فجاز أن ينتظم الأوامر والنواهي، ثم جاز أن يكون المعنى من قوله:(وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ) فيما بين له من الحدود، فلم يضيعه، (يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا) فيما لم يبين له، وفيما اشتبه من الحد.
أو يجوز أن يكون المعنى من قوله (وَمَن يَتَقِ اللَّهَ)، أي: يجاهد فيما أمره ونهاه، يجعل له مخرجا في أن يهديه، ويبين له السبيل؛ ألا ترى إلى قوله:(وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا).
قال: ويجوز أن ينال من يلزم التقوى خير الدنيا والآخرة؛ لأن اللَّه تعالى ذكر التقوى، وما يليه بألفاظ مختلفة، فقال في موضع:(وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا) وقال: في موضع آخر (يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا)، وفي موضع آخر (يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ) وفي موضع آخر (إِنَّ